ذيوع ظاهرة زواج التجربة.. فما حكمه الشرعي؟ دار الإفتاء تُجيب
النكاح قد بُني على الديمومة والاستمرار بين الزوجين، وقد شُرّع من أجل بناء بيت تغمره المودة والرحمة والحب، فلا يجوز فيه العبث على هوى الطرفين أو أحدهما، ويمكن أن نبين حكم الشرع في مثل تلك الزيجات “بأن تكون للتجربة” من خلال موقع إيزيس.
حكم زواج التجربة
إنّ الزواج سنة الله سبحانه وتعالى، شرعه الله وبيّن مقتضياته وأوجب شروطًا معينة في عقد النكاح لا يجوز الإخلال بها أو التحايل فيها، وقد شاع كثيرًا اختلاق أنواعًا من العقود التي ابتدعها الناس ووضعوها تحت بند النكاح الشرعي، لكنها لا تمت له بِصلة على الإطلاق، من ذلك زواج التجربة، وهو عقد زواج شرعي كغيره من العقود، لكن..
- يقوم فيه الطرفان بالتوقيع على عقد آخر يتضمن عدة شروط بينهما.
- يتم تحديد كافة المشكلات والعقبات التي قد تحدث بينهما بالمستقبل.
- إن حدث خلل في أيٍ من تلك الشروط من قبل أحدهما فإنه يلتزم بتحمل النتائج.
- يكون الطرف المخلّ بتلك الشروط ملزمًا بإعطاء كافة الحقوق للطرف الآخر سواء كان هذا الطرف هو الزوج أو الزوجة.
- أحيانًا يتم فيه اشتراط الزواج بمدة معينة.. وعند انقضاء تلك المدة يقع الانفصال بين الزوجين.
تم اختلاق هذا الزواج من أجل الحد من نسبة الطلاق في المجتمع كما يقول مبتدعوه، وقد أوضح العلماء والمجتهدون من أهل الفتوى أنه لا يجوز زواج التجربة وأن هذا النوع من الزواج محرمٌ شرعًا.
فالحقيقة أن الزواج لا يجوز فيه هذا التلاعب والابتداع، وكون العقد مشروط بمدة معينة يجعل عقد الزواج باطلًا شرعًا.
الأصل في صحة الزواج أن يقوم على نية الاستمرارية وتحمل كلا الطرفين مسؤولياته على أكمل وجه، لا على أن يقوم على المنفعة المشروطة أو على المتعة المحددة بمدة بين العاقدين، وبناءً عليه قولًا واحدًا.. لا يجوز زواج التجربة.
متى يصح زواج التجربة؟
معلوم أن زواج التجربة يكون زواجًا مشروطًا ببعض الشروط بين العاقدين، وبيّنا سلفًا أنه لا يجوز زواج التجربة شرعًا، وذلك لأنه يندرج تحت الزواج المشروط.
قد بيّنت الشريعة في هذا الصدد أن الشروط في عقد النكاح لا تخلو من ثلاث حالات نتبين منها أن زواج التجربة إن كان معقودًا على شرط حظر الطلاق مدة معينة من الزمن فهو زواج صحيح لكن الشرط الباطل لا يصح ولا يعتد به.
أما لو كان زواج التجربة مشروطًا بمدة معينة ينتهي بعدها الزواج فإنه في تلك الحالة يكون زواجًا باطًلا ومحرم شرعًا، حيث يندرج تحت زواج المتعة المنهي عنه.
بيد أن تلك الحالات نبينها فيما يلي:
1- شروط صحيحة ويجب الوفاء بها
هي الشروط التي لا تتعارض مع أغراض النكاح ومقتضياته، وذلك كأن يشترط الزوج ألا تخرج المرأة من بيتها أو لا تعمل أو لا تسافر ونحوه، فإن هذا الزواج يكون صحيحًا ويترتب على عدم الوفاء بها إنهاء الزواج.
- فقد قال الله عز وجل في سورة المائدة: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.. (1)”.
- قال تعالى في سورة الإسراء: “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)“.
- كما ورد في الحديث الذي رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ إنَّ أحقَّ الشروطِ أن تُوفوا به، ما اسْتحْلَلْتُم به الفروجَ.” (صحيح).
2- شروط باطلة في ذاتها لكنها لا تُبطل عقد النكاح
هي الشروط التي تنافي عقد الزواج وتُخل بمقتضياته، كأن يشترط الرجل ألا يعطى المرأة مهرًا أو يمنعها النفقة أو نحوه أو تشترط المرأة ألا يطأها زوجها، فهذه شروطًا باطلة لا يجوز الوفاء بها لكن العقد لا يزال صحيحًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ما بال أقوامٍ يشترطون شروطًا ليست في كتابِ اللهِ، ما كان من شرطٍ ليس في كتابِ اللهِ فهو باطلٌ وإن كان مئةَ شرطٍ، كتابُ اللهِ أحقُّ، وشرطُ اللهِ أوثقُ.” (حديث صحيح).
3- شروط باطلة يترتب عليها بطلان العقد
كأن يشترط أحد الطرفين إنهاء عقد الزواج بعد مرور مدة معينة من العقد، وهذا ما يحدث في زواج التجربة المحدد بمدة، وبذلك فإنه يندرج تحت زواج المتعة، ولا يجوز تحديد المدة في عقد الزواج وبالتالي فإن زواج التجربة يكون باطلًا محرمًا شرعًا، حيث ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهَى عن مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَومَ خَيْبَرَ..”.
حكم زواج المسيار
على غرار زواج التجربة قد شاع بين الناس في الآونة الأخيرة كثرة الشروط في عقد النكاح، كأن يكون العقد مبنيًا على توقيت معين، بمجرد انتهاء مدة معينة يتم حِل عقد الزواج.
كذلك زواج المسيار وهو أن تتنازل الزوجة عن حق من حقوقها التي أوجبها الله عز وجل لها، كتنازلها عن المهر أو النفقة أو السكن والميت ونحوه.
قد اختلفت أقوال الفقهاء، فقال البعض إنه يصح العقد وإن بطل الشرط، ذلك إن كان عقد النكاح صحيحًا مستوفيًا كافة شروطه وأركانه، وما دام وقع الرضا بين الزوجين.
- ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ أحقَّ الشروطِ أن تُوفوا به، ما اسْتحْلَلْتُم به الفروجَ.” (صحيح).
- قد ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “المسلمونَ على شروطِهم.” (صحيح).
البعض الآخر قالوا إنه لا يصح هذا النكاح لأنه يشتمل على المتعة المجردة، وأنه ينافي مضمون النكاح الشرعي المبني على صيانة المرأة وصيانة كرامتها وحفظ جميع حقوقها.
الصحيح هو عدم تعميم الحكم، وإنما ننظر إلى العاقدين.
- إن كان هذا ما يقتضيه نكاحهما من أجل التيسير ونحوه وكان العقد صحيحًا مستوفيًا كافة الأركان والشروط فهو عقد صحيح جائز.
- أما إن كان استغلالًا للمرأة وإهدار لحقوقها كما يفعل بعض ضعاف الدين فإنه في تلك الحالة لا يكون صحيحًا.
شرع الإسلام الزواج وأحاطه بكافة الضوابط التي فيها رفع للضرر عن كِلا الطرفين وحمايةً لحقوقهما، أما ما ابتدعه البعض من عقود، فإنها ليس إلا هوى نفس وتلاعب في شرع الله.. ولا يُعوَّل عليها في صيانة المرأة المسلمة.
تابعنا على جوجل نيوز