عند إجبار البنت على الزواج بابن عمها.. هل يصح العقد؟

انتشرت ظاهرة الزواج بالإجبار في الآونة الأخيرة دون الحِفاظ على مكانة الفتاة وصون لكرامتها، وعليه ازدادت نسب الطلاق، علاوةً على الإصابة باضطرابات نفسية تبقى معها لسنوات كثيرة غير قادرة على التعافي، فكيف رأى ديننا الحنيف في إكراه الفتاة على الزواج؟ دعونا نُفصل الأمر في موقع إيزيس.

حكم إكراه البنت على الزواج بابن عمها

مشكلة إجبار البنت على الزواج من شخص لا تحبه دومًا ما تتواجد في مجتمعاتنا الشرقية، بالأخص إذا كان الزوج المقترح هو ابن العم؛ خوفًا من الأب على ابنته، لذلك يحاول أن يزوجها بشخص يثق فيه، ويعامل ابنته بالخير ويتقي الله فيها.

قد تختلف الآراء حول حكم إكراه البنت على الزواج بابن عمها، لكن جاء الرد الحازم من دار الإفتاء باللجوء إلى القاضي الشرعي لمنع الزواج؛ لأن الوالد لا يمكنه إجبار ابنته على الزواج من أي شخص هي لا تريده، مهما كانت درجة القرابة بين البنت والزوج المُحتمل.

فقد رُوي أن فتاة جاءت إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته” فجعل الأمر إليها، فقالت: “قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أنْ ليس إلى الآباء من الأمر شيء” رواه النسائي وابن ماجه.

كان القصد من “ليرفع بي خسيسته” أي أن ابن العم هذا كان دنيئًا، فأراد الأب أن يجعله عزيزًا من زواجه بابنته.. لكن بيّن الدين الإسلامي حكم إجبار البنت على الزواج بأنه جناية على المرأة.

فالزواج أمر برُمته يشترط موافقة الطرفين على الزيجة، حتى يكون الزواج جائزًا قانونيًا ودينيًا؛ بسبب ما قد يعود على أحد أطراف الزيجة من أضرار نفسية مؤلمة، والحياة الزوجية والأسرية التي ستفسد بسبب هذا الإكراه، وهذا ما بيّنته الفقرة الثانية من المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

“لا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين المزعم زواجهِما رضاءً كاملًا لا إكراهَ فيه”.

تعرفي أيضًا على: هل تستأذن الثيب في الزواج

أسباب الزواج القسري

على الرغم من الحضارة الإنسانية التي نحظى بها في هذه الأيام، إلا أن الإجبار على الزواج ما زال أمر موجود بكثرة لأسباب متعددة، وصور مختلفة حسب الطبقة الاجتماعية والمنطقة.

1- الخوف على شرف العائلة

عندما تكون الفتاة في سن المراهقة أو أكبر بقليل، فإن الأهالي دومًا ما يشعرون بالخوف على بناتهم من خوضهِم لأي مُغامرات عاطفية، فقد تجلب هذه المغامرات المشاكل والسمعة السيئة، لذلك يلجئون لإجبار بناتهِم على الزواج في سن صغير، اعتقادًا منهم بأن هذا الحل سيكون الحد الذي يردع المشاعر العاطفية لبناتهم.

لكنهم بذلك الحل لا يدرون بأنهم يلقون بناتهم في التهلكة، ويعرضونها للمشاكل الأسرية التي ستواجهها في المستقبل، فعلى سبيل المثال، عندما يُجبِر الأب بنته على الزواج بابن عمها تترتب مشاكل كثيرة على هذه الزيجة، مثل: “عدم التفاهم، وعدم الاهتمام بمشاعر الطرفين، كما أن زواج الأقارب يُسبب مشكلات جينية للأطفال التي ستنجب”.

2- عوامل طائفية ودينية

في المجتمعات النائية نجد أن الأسر دومًا ما ترغب في إكراه بناتهم على الزواج؛ لمُجرد أنهم ينتمون إلى نفس الطائفة الدينية أو نفس القبيلة، وتُرفض عروض الزواج من الأفراد المنتمين لطوائف وقبائل أخرى لمجرد الاختلاف دون الوضع في الاعتبار رأي الفتاة.

3- الحفاظ على الطبقة الاجتماعية

قد يرغب الأب في بعض الحالات الحفاظ على المستوى المعيشي لابنته، لذلك يحاول إجبارها على الزواج حتى يضمن لها العيش، والزواج من نفس الفئة الاجتماعية.. ومن أبرز الأمثلة شيوعًا على هذه المشكلة هو رفض الطبقات العليا الارتباط بالطبقات الأدنى.

على الرغم من ذلك إلا أننا قد نجد رفض بعض أسر الطبقات الأدنى للزواج من الطبقات الأعلى؛ تخوفًا من وجود مشكلات مادية بين الطرفين، وتأثير التفاوت الطبقي على الحياة الزوجية بينهما.

4- الزواج بالإكراه لتقوية الروابط العائلية

يحدث الإجبار على الزواج بيد الحفاظ على إطار العائلة الكبيرة الواحدة، ويعرف بزواج الأقارب مثل إجبار البنت على الزواج بابن عمها، ويهدف إلى منع دخول أي رجل غريب إلى العائلة، ويحاول تقاسم أموال الأسرة معهُم، فيلجأ الأب إلى زواج ابنته من قريب لها يحافظ على أموالها.

5- لتحسين وضع الأسرة

فيما يُعرف بزواج المصلحة، يتم هُنا إجبار أحد الأطراف على الزواج من الطرف الآخر، لتحسين مستوى العائلة المادي والاجتماعي، ويكون من خلال الارتباط بشخصيات نافذة ولامعة في المجتمع، مما يضمن للفتاة وعائلتها مكانة كبيرة ومستوى اجتماعي راقي.

6- الهروب من العنوسة

في بعض الحالات ترغب الأسرة في الاطمئنان على ابنتهِم من خلال إكراهها على الزواج من ابن عمها، بهدف الحفاظ عليها والتأكُد من أنها تعيش حياة هانئة، ولكن في أغلب الأحيان يعيش الطرفان متضررين من هذه الزيجة.

تعرفي أيضًا على: أيهما أفضل الزواج عن حب أم التقليدي

ماذا تفعل الأم عند إجبار الفتاة على الزواج؟

إنها في موضع لا تُحسد عليه مُطلقًا، عندما يُقرر الزوج زواج الابنة بالإجبار من ابن عمها أو غيرُه، لكن عليها عدم النشوز عن زوجها والخروج من داره من دون إذنه، طالما أنه غير مُقصر في أداء حقوق الزواج المعروفة والشرعية.

على الأم أن تترك الفتاة تذهب إلى من يحميها ويمنع هذا الزواج، ويُبيّن للأب أن الإجبار سينتهي في نهاية المطاف بطلاق الفتاة، وإن أبغض الحلال عند الله الطلاق، لذلك يفضل أن تمر الأمور بأسلوب حسن لتجنب المُشكلات.. وأذى الفتاة نفسيًا وجسمانيًا.

تعرفي أيضًا على: لماذا يرفض المجتمع الزواج من مطلقة

ماذا إن أُجبرت الفتاة على الزواج؟

إن حدث الزواج بإجبار من ابن العلم، فعلى الفتاة أن تعلم أن الابتلاء في هذه الدنيا سُنة ماضية، وقد تذوق منها الأنبياء والصالحون، وتألم بها العباد الذين يتقون ربهم، ولم يسلم منها البشر؛ فهذه الابتلاءات حكمة عظيمة من الله قد نعلمها وقد لا نعلمها.

في حالة أن الفتاة تدعو بأن ينجيها الله في ظروفها فليس من المشترط أن يستجاب دُعائِها في وقتها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ ولا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا)، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: (اللهُ أَكْثَرُ) رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

إجبار البنت على الزواج من أحد أقاربها لمجرد الحفاظ على الروابط الأسرية بين العائلتين أو أي سبب آخر، إنه لمن الأشياء المحرمة، فلا يجوز للأب أن يكره ابنته على الزواج من شخص لم تختاره.

تابعنا على جوجل نيوز

قم بمتابعة موقعنا على جوجل نيوز للحصول على اخر الاخبار والمشاركات والتحديثات ..

متابعة
اترك تعليقا