هل سماع الأغاني يبطل الصيام

هل سماع الأغاني يبطل الصيام؟ وهل يختلف الحكم تبعًا لطبيعة الأغاني ووجود المعازف؟ فمن المعلوم أن الصوم يقترن بآداب وشروط لا تتحقق بمجرد الامتناع عن الأكل والشراب، حيث يتطلب الصوم الامتناع عن كل ما يفسد المرء ويجعله أسير شهواته، ومن هنا من خلال موقع إيزيس سنشير إلى حكم سماع الأغاني في رمضان.

هل سماع الأغاني يبطل الصيام

غنى عن البيان أن الصيام له مجموعة من المبطلات، إن وقع فيها أحدهم يفسد صيامه ولا ينال من ثواب الصائم شيئًا، منها ما جاءت بها الأدلة الشرعية، ومنها ما ذكره أهل العلم والفقهاء، على أن الحكم في مثل تلك الأمور كسماع الأغاني والأناشيد أحيانًا ما يندرج تحت المكروهات لا مفسدات الصيام.

الأمر يتعلق بما ينتج عن سماعها، ما نعنيه أنه إذا كانت تلك الأغاني محركة للشهوة بكلماتها وألحانها وما إلى ذلك، ونتج عنها تفكير الصائم بالمنكر والملذات، وتسبب الأمر في إنزال المني، يكون الحكم حينئذٍ بأنها تبطل الصيام، وهذا الشق الأول في الإجابة على سؤال هل سماع الأغاني يبطل الصيام.

أما إن خلت تلك الأغاني من كافة صور المجون التي من شأنها أن تفسد الصائم، لا تعد من قبيل ما يفسد الصيام ويبطله، بل من شأنها أن تقلل من ثواب الصائم لكونه يضيع وقت الصيام في سماع الأغاني ولا يغتنم فرصة الطاعات والعبادات، من هنا نجد في جواب سؤال هل سماع الأغاني يبطل الصيام.. أنها بحد ذاتها لا تبطل الصيام بل تنتقص من الثواب، ما يعني أن ما يترتب عليها ليس إسقاط الفريضة.

نجد أن سماع الأناشيد الدينية التي تخلو من الكلمات البذيئة وتخلو من المعازف، أمر مباح ليس فيه حرج، هذا ما ذهب إليه البعض، من هنا لا تعد من مبطلات الصيام.

جدير بالذكر في هذا الصدد التنويه إلى أنه طالما كانت الأغاني لا تبطل صيام الفريضة فإنها لا تؤثر بالبطلان على صيام النافلة أو صيام القضاء، فإن كانت كذلك فكان بالأحرى أن تبطل صيام الفرض وهو صيام رمضان.

هل يجوز سماع الأغاني بعد الإفطار

وجدنا مختلف الآراء في سؤال هل سماع الأغاني يبطل الصيام، فإذا كان الأصل العام في سماعها لا يبطل الصيام، فإنه لا يوجد ما يشير إلى عدم جوازها بعد الإفطار، هذا إن كانت في إطار الأغاني المباحة، لا تخل بالشروط التي ذكرناها سلفًا.

في حديث عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-: “لَيكونَنَّ من أمَّتِي أقوامٌ، يَستحِلُّون الحِرَ والحريرَ، والخمرَ والمعازفَ“ (صحيح)، فتخلو تلك الأغاني من الموسيقى ولا تتضمن البذيء من الكلمات التي تنطوي على الغزل الصريح فتذكر مفاتن النساء وتحرك الشهوات، وتلك التي تدعو إلى الحرام وفعل المعاصي.

أما إن كانت تلك الأغاني ليس بها من الكلمات سوى المباح، علاوة على الأناشيد الدينية أو الحماسية وما شابه، فلا حرج في سماعها ولا تنقص من الأجر سواء كان قبل الإفطار أم بعده، من هنا نتبين أن حكم سماع الأغاني يقترن بما يصحبها من محاذير شرعية، إن خلت منها صارت مباحة.

تعرفي أيضًا على: هل العطر يبطل الصيام

سماع الأغاني في رمضان دون قصد

إن النية والمقصد لهما عظيم الأثر في تحديد الحكم، فعن عبد الله بن عباس ذكر في حديث: “إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، إلى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَةً” (صحيح البخاري).

كما قال الله تعالى في محكم التنزيل: “لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)“ سورة البقرة.

امتثالًا لما سبق ذكره من الأدلة النقلية نجد أن المرء يحاسب بنواياه، فإن كان الصائم خارج منزله على سبيل المثال وقد سمع من الأغاني أقبحها، دون قصد منه لسماعها، فلا إثم عليه ولا حرج، وهذا شق هام يجب الإشارة إليه في إجابة سؤال هل سماع الأغاني يبطل الصيام.

على أنه وجب عليه حينئذٍ ألا يميل إلى ما يسمع ولا يستمتع بسماعه، حتى لا يستحيل الأمر إلى قصد منه وعمد، فهناك فرق جليّ بين السمع والاستماع، فقدر استطاعته عليه أن ينشغل بذكر الله –سبحانه وتعالى- ويغفل عن تلك الأغاني التي تنتقص من ثوابه وهو صائم.

تعرفي أيضًا على: هل المكياج يبطل الصيام

تهذيب النفس عن سماع الأغاني

في عصرنا هذا، انتشر القبح وكأنه اعتياد، وأحلّه البعض وهو حرام، إلا أن تعويد النفس على المنكر يجعلها مع مرور الوقت في استحلال له واستمتاع به، الأمر الذي يجعل المسلم والمسلمة في إثم عظيم، فقد ذكر عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-:

“الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ” (صحيح البخاري).

لعل السائل هل سماع الأغاني يبطل الصيام يود أن يعلم بجواز الأمر حتى يتخذ من هواه مرشدًا له باستحلال سماع القبيح من الغناء، لكن الأمر لا يسير على هذا النحو، فمن الهام أن يعزم المرء على ترك ما يفسد قلبه قبل أن يبحث عما يفسد صيامه.

فسماع الأغاني مع المداومة على الأمر والاعتياد، يحرم المرء من استشعار لذة الإنصات إلى القرآن، فيجعله دائم الغفلة عن الذكر والتلاوة، علاوةً على حرمانه من التلذذ بالعبادات، من هنا كان عليه أن يستثمر وقته في التقرب إلى الله لا الابتعاد عن العبادات وإيثار الهوى.

فقط يُمكنه أن يستغل شهر رمضان المبارك ويغتنم روحانياته، في أن يُقبل على تلاوة القرآن، فتستحيل عادته في سماع الأغاني إلى سماع ما تيسر من الآيات القرآنية، فما يكون له سوى السكون والراحة وهدوء قلبه ونفسه، فقد قال الله تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)“، سورة الرعد.

تعرفي أيضًا على: هل لمس رجل غريب يبطل الصيام

إنما الصوم الحقيقي هو صوم الجوارح عن كل ما حرم الله سبحانه وتعالى، أما عن التقوى تلك المرجوة من الصيام والحكمة البالغة من وراءه فتتحقق بالابتعاد عما هو منهيٌ عنه والتقرب إلى الله بصالح الأعمال والطاعات.