في رمضان.. هل الحيض يمنع المرأة من تلاوة القرآن؟

في شهر رمضان المُبارك، يستغل المُسلمين هذا الشهر الكريم بأداء العبادات بأكملها، وقراءة القرآن تُعد من أفضل العبادات وأعظمها أجرًا، فتُسارع المرأة من أجل ختم تلاوته قبل الانتهاء أملًا في نيل عظيم الأجر، لكن من المُفترض أن تتعرض لفترة الطمث، أو الحيض كما يُطلق عليه، فهل هذا يمنعها عن التلاوة؟ هذا ما سنعرفه من خلال موقع إيزيس.

هل يجوز للحائض تلاوة القرآن في شهر رمضان؟

في شهر رمضان الكريم، تسعى المرأة المسلمة إلى التقرب إلى الله بشتى ألوان الطاعات وأعظمها أجرًا، إلا أنها تتعرض إلى فترة لا تستطيع فيها أداء الفروض كالصلاة والصيام، ألا وهي فترة الحيض، من هنا كانت أشد حرصًا على معرفة حكم قراءتها للقرآن في الشهر المبارك.

إن أمر قراءة المرأة للقرآن في فترة الحيض من الأمور الجدلية التي اختلفت المذاهب في بيان حكمها، فنرى أن بعض الفقهاء وأهل العلم ذهبوا إلى عدم جواز قراءة الحائض للقرآن حتى ينتهي حيضها وتطهر، على أن تكون القراءة من أجل التلاوة لا على سبيل الدعاء أو الذكر بآيات قرآنية محفوظة، استنادًا إلى الحديث القائل:

“لا تقرأِ الحائضُ، ولا الجنُبُ شَيئًا مِن القُرآنِ“.

إلا أننا نشير إلى أن هذا الحديث ضعيف الإسناد لا يعول عليه كدليل نقلي مؤكد على عدم جواز قراءة الحائض للقرآن.

البعض من العلماء ذهب إلى جواز قراءة الحائض للقرآن لأن مدة الحيض تطول فلا يصح اعتباره كالجنابة التي تقصر مدتها وسرعان ما يتم بعدها الاغتسال باستطاعته.. على أن هذا هو الأرجح والأقرب للصواب.

بيد أن قراءة الحائض للقرآن في رمضان لا تختلف عن غيرها من الشهور، فالحكم أخص بحالة الحيض، إن لم يكن شهر رمضان من شأنه أن يثبت الحكم إيجابًا، نظرًا لكونه شهر الطاعات والتقرب إلى الله بسائر العبادات وأجلّها، فطالما أن الحائض ليس بوسعها أن تصلي أو تصوم في الشهر المبارك فلها أن تقرأ ما تيسر من القرآن دون مس المصحف، لأنه يشترط الطهارة.

ما يعزز من القول بجواز الحكم ما رآه البعض في كون القرآن الكريم من الذكر، والذكر يدخل في عموم الحديث، من هنا نجد أن الأصل في الحكم هو عدم التحريم.

تعرفي أيضًا على: هل يجوز التصدق بدل صيام القضاء للحائض

حكم قراءة الحائض للقرآن في المذهب المالكي

أما عن الإمام مالك فرجح جواز قراءة القرآن للمرأة في فترة الحيض قبل انقطاع الدم، لكن حينما ينقطع الدم فلا يجوز لها القراءة قبل الغسل وتحقيق شرط الطهارة فحينئذ يكون باستطاعتها الاغتسال، وقد قال:

“لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ إلَّا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ عِنْدَ أَخْذِهِ مَضْجَعَهُ، أَوْ يَتَعَوَّذُ لِارْتِيَاعٍ وَنَحْوِهِ لَا عَلَى جِهَةِ التِّلَاوَةِ، فَأَمَّا الْحَائِضُ فَلَهَا أَنْ تَقْرَأَ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ طُهْرَهَا، يُرِيدُ فَإِنْ طَهُرَتْ وَلَمْ تَغْتَسِلْ بِالْمَاءِ، فَلَا تَقْرَأُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا قد ملكت طهرها“.

رأي ابن باز في قراءة الحائض للقرآن في رمضان

إن حكم قراءة القرآن للحائض في شهر رمضان عند ابن باز ذهب إلى تحريم قراءة الحائض للقرآن تبعًا لكون الحيض كالجنب، فمن كان على جنب لا يقرأ القرآن، تبعًا لأن الحالتين من قبيل الحدث الأكبر، وكذلك الحال بالنسبة للنفساء، فيمكن قراءة القرآن بعد التطهر.

تعرفي أيضًا على: آيات تحريم الصوم للحائض

المذهب الحنبلي في حكم قراءة الحائض للقرآن

أما عن الإمام بن حنبل فقد أمر قراءة الحائض للقرآن الكريم في شهر رمضان نظرًا لأنه ليس هناك ما يحرم الأمر بنص من القرآن أو السنة، كذلك لم يرد عن الرسول قول بمنع امرأة من قراءة القرآن وهي حائض، وأكد أنه لا يجب أن تتساوى الحائض مع الجنب في المنع من قراءة القرآن نظرًا لما بينهما من فارق جليّ.

على جانب آخر إن لم تقرأ الحائض القرآن في شهر رمضان قد يصعب عليها تعويض ما فاتها، فيكفيها قضاء ما فاتها من الصوم، رحمة بها وتيسيرًا عليها.

فمن الجدير بالذكر الاستناد إلى ما روي عن السيدة عائشة: “سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلتُ: ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ” (صحيح مسلم).

قراءة الحائض للقرآن من الجوال

علمنا ما ذكر من آراء فقهية حول حكم قراءة الحائض القرآن في رمضان، وتباين تلك الآراء حوله، فلربما ذهب البعض إلى عدم جواز الحكم نظرًا لأنها ليس بإمكانها مس المصحف حينئذ، إلا أن هناك من الآراء ما يجيز الحكم إن استخدمت المرأة حائلًا يمنعها من مس المصحف الشريف أثناء القراءة.

فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل:

“إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)“ سورة الواقعة.

في ذلك دلالة على وجوب شرط الطهارة حتى تتمكن الحائض من لمس المصحف، أي يلزمها توافر شرطين: انقطاع النزف، الاغتسال، وما يؤكد على ذلك حديث رواية عبد الله بن عمر:

“لا يَمَسُّ القُرآنَ إلَّا طاهِرٌ“ (صحيح الجامع).

هنا كان من السعة والتيسير أن تقرأ الحائض القرآن دون مس المصحف تمامًا، بل من الهاتف عن طريق أي من تطبيقات القرآن الكريم، والتي تعمل من خلال الذبذبات الضوئية، فإن اتفقنا بجواز قراءتها للقرآن في رمضان وهي حائض نتفق أيضًا على جواز قراءة القرآن للحائض من الجوال في الشهر الكريم، وهو الأمر الأكثر تيسيرًا عليها.

تعرفي أيضًا على: حكم قراءة القرآن للحائض من الجوال

ما يجب أن تفعله الحائض في رمضان

هناك من العبادات ما يُمكن أن تغتنم الحائض فرصة شهر رمضان الكريم في أدائها، وتُجزى خير الجزاء على ذلك.. فإذا تمعنّا في الأمر عن كثب، سنجد أن منعها عن أداء الصلاة والصوم في رمضان في فترة حيضها ما كان إلا لحكمة بالغة، فمن شأنها أن تُرهق إثر ذلك ويشتد عليها النزف، فكان ذلك التحريم رحمة بها وتيسيرًا لها.

إلا أن هذا لا يمنع عدم استغلالها فرصة حلول الشهر الكريم بأجلّ الطاعات وأقربها إلى الله، فمن الممكن أن تسمع إلى آيات القرآن الكريم وتفسيراتها حتى وإن لم يتيسر لها قراءته، كذلك فتزيد من الاستغفار والتسبيح والتكبير والتهليل.

على أنه بإمكانها التثقف في أمور دينها، واستغلال ما بالشهر الكريم من روحانيات تساعدها على مطالعة الكتب الدينية والأحكام الفقهية التي تزيدها علمًا، ولا تنسى من يومها الصدقات وصلة الرحم والمشاركة في مساعدة الغير، فهذا كله من شأنه إكسابها عظيم الجزاء.

تعددت آراء أهل العلم في حكم قراءة القرآن للحائض في شهر رمضان الكريم، وقد قدمنا الرأي الأرجح علاوة على المتباين منها، وعلى المرأة المسلمة أن تعي ما يخصها من أحكام فقهية ترتبط بالحدود الفاصلة بين ما أحله الله وحرّمه.