صالون مي زيادة
صالون مي زيادة كان الصالون الثقافي الأشهر في إحدى الحقب الزمنية، فإن مي زيادة أديبة مؤثرة تتمتع بالنبوغ وقوة الإبداع بين أدباء جيلها، فقد ساهمت في نشر أفكار عدة حول قوة النساء في الأدب خاصةً أنها المرأة الأولى التي تدير صالون ثقافة يعج بأعظم رجال الأدب.
صالون مي زيادة
انعقد هذا الصالون الأدبي لأول مرة يوم الثلاثاء الموافق 24 أبريل في عام 1913، كان يعرف حينها بصالون (الأنسة مي) كما يناديها ويلقبها كل أدباء عصرها، كان هذا الصالون هو التجمع الثقافي الذي جمع بين الأدباء الذين لم يلتقوا إلا من خلال هذا الصالون مثل (مطران، أحمد شوقي، الرافعي، عباس العقاد، محمد حسين المرصفي، إسماعيل صبري، طه حسين، زكي مبارك).
كان ينعقد هذا الصالون الفريد في منزل مي زيادة الذي أهدته لها صحيفة الأهرام تقديرًا لجهودها الأدبية، المنزل الذي كان موجود في وسط البلد بالقاهرة بشارع علوي.
ظل ينعقد صالون مي زيادة الثقافي لفترة هي 25 عامًا وعرفت تلك الفترة بأطول فترة بقاء لصالون ثقافي حينها، كانت لا تتغيب مي زيادة عن صالونها الثقافي إلا لأسباب المرض والسفر تقديرًا لقامات الأدب والسياسة والصحافة الحاضرين لصالون مي زيادة.
اقرأ أيضًا: أهم أعمال جبران خليل جبران
أهم أعمال مي زيادة
مي زيادة هي الأدبية العربية التي نبغت في الشعر والترجمة والتأليف، فقد كانت أول مؤلفاتها الشعرية هي (أزاهير الحلم) الذي كانت أبياته باللغة الفرنسية، كما أنها برعت في كتابة المقالات مما جعلها قادرة على نشر مقالاتها في جرائد هامة مثل (الأهرام، الهلال، الزهور).
بالرغم من تلك الأعمال الكثيرة إلا أن إبداع مي زيادة لم ينضب فقد اشتهرت بأهم أعمالها الأدبية مثل:
- المساواة.
- باحثة البادية.
- بين الجزر والمد.
- رجوع الموجة.
- سوانح فتاة.
- ظلمات وأشعة.
- عائشة تيمور.
- غاية الحياة.
- وردة اليازجي.
- ابتسامات ودموع.
تلك الأعمال التي تنقلت بينها مي زيادة عن طريق مختلف أنواع وصور الأدب مثل أدب الرسائل، والأدب الروائي، والأدب التحليلي، كما أنها كانت قادرة في أعمالها تلك التحدث في الأساليب العليا والدراسات وسردها بشكل مميز لا يخلو من الفن.
كما أن تلك الأعمال ناقشت العديد من الأفكار والقضايا الهامة التي لا ينفك أحد في البحث عنها داخل المؤلفات الموجودة في عصره للانفتاح على ثقافات أخرى، وهذا الذي قامت به الأنسة مي عن طريق ترجمتها لكتاب ابتسامات و دموع السالف ذكره.
الفكر النسوي في مؤلفات مي زيادة
إبداعات الانسة مي زيادة لم تتوقف فقط عن الأدب وتعلم اللغات المختلفة وترجمة السطور الادبية التي ساهم في انفتاح عقول الأمم، بل كان ابداعها أيضًا موجود في تبينيها لقضايا مجتمعها مثل قضايا تحرر المرأة والحفاظ على الهوية العربية الشرقية للمرأة العربية تحديدًا وللمرء العربي عامةً.
كانت مي زياد قادرة على دمج الأفكار الخاصة بالحركات النسوية في زمانها مع الكتابة والفن، فقد كانت تذهب لحضور المحاكمات المختلفة خاصةً السياسية لتعمل على نقلها إلى الرأي العام بكل يسهل فهمه، كما أنها كانت تلقي عدد من المحاضرات الهامة على منصات مثل (جمعية مصر الفتاة)، (النادي الشرقي)، (الجامعة الأمريكية في القاهرة).
دمجت مي زيادة بين القضية ومؤلفاتها فقد تحدث عن حرية المرأة ونقدها للمفكرين من خلال مقدمة كتابها (سوانح فتاة)، كما أنها أفردت لقيم المساواة الحقيقية دون التقليل من أهمية المصطلح للنساء كتابها (المساواة) الذي نقدت فيه أيضًا الخطابات الاشتراكية حينها والتباين الطبقي الواضح في المجتمع.
كللت مي زيادة ابداعها منقطع النظير في دفاعها عن حرية رأيها من خلال ثلاثيتها الشهيرة عن نساء عربيات قمن بالعديد من الأفعال الرائعة التي ساعدتهم في نيل النجاح الباهر، لك الثلاثية هي كتب (عائشة تيمور، باحثة البادية، وردة اليازجي)، تلك النساء اللاتي كن عمود أساس في النهضة المصرية الحديثة.
الحب في حياة مي زيادة
كانت مي زيادة الأدبية النابغة لافتة لنظر العديد من الأدباء الرجال الذين وقعوا في حبها حيث كان صالون مي زيادة هو الأساس في بداية أغلب تلك القصص الرومانسية في حياتها.
أحب مي زيادة فطاحل الأدب حينها مثل عباس العقاد وجبران خليل جبران ومصطفى عبد الرازق وولي الدين يكن وكان لكل منهم طريقته في حب مي زيادة الذي تختلف باختلاف ثقافتهم ومرجعيات فكرهم.
كان عباس العقاد هو المحب صاحب الكبرياء الذي لم يستطع أن يقوم حبه أكثر حيث كتب العقاد يروي عن قصة حبه تلك قائلًا:
كانا أشبه بالشجرتين منهما بالإنسانين
يتلاقيان وكلاهما على جذوره
ويتلامسان بأهداب الأغصان
أو بنفحات النسيم العابر من تلك الأوراق إلى تلك الأوراق
كانا يتناولان من الحب كل ما يتناوله العاشقان
على مسرح التمثيل ولا يزيدان
وكان يغازلها فتومئ إليه بإصبعها كالمنذرة المتوعدة
فإذا نظر إلى عينيها لم يدر
أتستزيد أم تنهاه
لكنه يدري أن الزيادة ترتفع بالنغمة إلى مقام النشوز“.
لم يكن العقاد هو المعبر الوحيد عن حبه لمي زيادة حيث قام الشيخ مصطفي عبد الرازق شيخ الأزهر حينها بالتعبير أيضًا عن هذا الحب ولكن باستحياء لا يفهمه الا الادباء حيث أرسل لمي زيادة قائلًا:”
وإني أحب باريس، إن فيها شبابي وأملي، ومع ذلك فإني أتعجل العودة إلى القاهرة، يظهر أن في القاهرة ما هو أحب إليَّ من الشباب والأمل“.
كان ولي الدين يكن هو الاجراء بين الذين عبروا لمي زيادة عن حبهم فقد أعترف بحبه ببيت من الشعر أرسله لمي زيادة قائلًا فيه:” أعلمت الهوى الذي أخفيه؟ أي سر يا مي لم تعلميه؟”، كما أنه انشدد بها الشعر حين زارته مي زيادة أثناء مرضه حيث قائلًا:
” تبدت مع الصبح لما تبدى، فأهدت إليَّ السلام وأهدى
تقابل في الأفق خداهما، فحيت خدّاً وقبلت خداً
لقد بدل الله بالبعد قرباً، فلا بدل الله بالقرب بعداً
تعالي فجسي بقلبك كبدي، إن كان قد أبقى لي الهجر كبدا”
كان الحب الشديد يحيط بمي زيادة من كل الجوانب ولكن هذا لم يمنع عنها لقب عذراء الأدب.
قصة حب مي زيادة وجبران خليل جبران
كان جبران خليل جبران هو أشهر قصص الحب في حياة مي زيادة، تلك القصة التي لم يشككن اللقاء طرفًا بها، كان جبران في نيويورك وكنت مي تطوف مختلف البلاد ولكن لم تذهب لنيويورك قط.
بعد وفاة جبران عانت مي من أزمة نفسية شديدة بسبب خسارتها لعدد كبير ممن تحبهم في حياتها مثل الأب والأم والأخت، لكن ما تبقي من تلك القصة الرائعة هي الرسائل بين مي وجبران.
أولًا: رسائل جبران خليل جبران لمي زيادة
في التالي ذكر لأشهر النصوص من رسائل جبران لمي زيادة.
تقولين لي أنك تخافين الحب، لماذا تخافينه يا صغيرتي؟ أتخافين نور الشمس، أتخافين مدَّ البحر، أتخافين طلوع الفجر، أتخافين مجيء الربيع، لما يا ترى تخافين الحب؟ أنا أعلم أنّ القليل في الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريد الكثير، نحن نريد كل شيء، نحن نريد الكمال.
تلك الرسالة التي يوضح بها جبران شدة حبه لمي فهو يناديها باسمها الأصلي فهو ليس مولعًا بحب الأديبة الشهيرة، ولكنه معجب بشخص ميري زيادة، كما توضح خوف مي الشديد من الحب.
أنت يا مي كنز من كنوز الحياة، بل وأكثر من ذلك، أنتِ أنتِ، وإني أحمد الله لأنك من أمّة أنا من أبنائها ولأنك عائشة في زمن أعيش فيه، كلما تخيلتك عائشة في القرن الماضي أو في القرن الآتي رفعت يدي وخفقت بها الهوا كمن يريد أن يزيل غيمة من الدخان من أمام وجهه، يا مي، يا ماري، يا صديقتي.
يرى جبران أن مي زيادة ليست فقط الحبيبة بل هي الصديقة والمرأة التي هو محظوظ بوجودها في حياته تلك وعصره هذا.
هل تعلمين يا صديقتي أنني كنت أجد في حديثنا المتقطع التعزية والأنس والطمأنينة، وهل تعلمين بأنني كنت أقول لذاتي هناك في مشارق الأرض صبية ليست كالصبايا قد دخلت الهيكل قبل ولادتها ووقفت في قدس الأقداس فعرفت السر العلوي الذي تخفره جبابرة الصباح.
ثم اتخذت بلادي بلادًا لها وقومي قومًا لها، هل تعلمين بأنني كنت أهمس هذه الأنشودة في أذن خيالي كلما وردت عليّ رسالة منك؟ لو علمت لما انقطعت عن الكتابة إليّ وربما علمت فانقطعت وهذا لا يخلو من أصالة الرأي والحكمة.
تلك الرسالة التي تعبر عن مدى تعمق مي زيادة ذاتها داخل قلب جبران، كانت تلك الرسالة هي بمثابة تعريف لمي أن قيمة رسالتها التي تصل جبران كبيرة وعظيمة في نفسه وجاء هذا التنبيه بعد فترة انقطاع مي عن الكتابة لجبران.
ثانيًا: رسائل مي زيادة لجبران خليل جبران
في السطور الآتية سيتم ذكر نصوص لأشهر رسائل مي زيادة لجبران خليل جبران:
أريد أن تساعدني وتحميني، وتبعد عنّي الأذى ليس بالرّوح فقط، بل بالجسد أيضاً، أنت الغريب الذي كنتَ لي بداهة وعلى الرّغم منك أباً، وأخاً، ورفيقاً وصديقاً، وكنتُ لك أنا الغريبة بداهة وعلى الرّغم منّي أمّاً، وأختاً ورفيقة وصديقة، عنك وعن صحّتك، وأذكر عدد ضربات قلبك، وقل لي رأي الطّبيب افعل هذا…
…ودعني أقـف على جميع التّفاصيل. كأنّي قريبة منك، أخبرني كيف تصرف نهارك.. أتوسل إليك أن تتناول الأدوية المقويّة مهما كان طعمها ورائحتها.
كانت تلك الرسالة عندما انقطع جبران عن الكتابة لمي بسبب تعرضه لوعكة صحية شديد، كانت تلك الرسالة هي الاعتراف الأقوى من مي زيادة بمكانة جبران ومدى حبها الشديد له.
لقد توزع في المساء بريد أوروبة وأمريكة، وهو الثاني من نوعه في هذا الأسبوع , وقد فشل أملي بأن تصلني فيه كلمة منك، نعم إني تلقيت منك في الأسبوع الماضي بطاقة عليها وجه القديسة حنة الجميل، ولكن هل تكفي الكلمة الواحدة على صورة تقوم مقام سكوت شهر كامل .
… لا أريد أن تكتب إلي إلا عندما تشعر بحاجة إلى ذلك أو عندما تنيلك الكتابة سرورا , ولكن أليس من الطبيعي أن أشرئب إلى أخبارك كلما دار موزع البريد على الصناديق يفرغ فيها جعبته ! ..
أيمكن أن أرى الطوابع البريدية من مختلف البلدان على الرسائل , حتى طوابع الولايات المتحدة وعلى بعضها اسم نيويورك واضح , فلا أذكر صديقي ولا أصبو إلى مشاهدة خط يده ولمس قرطاسه .
… ولتحمل إليك رقعتي هذه عواطفي فتخفف من كآبتك إن كنت كئيبا , وتواسيك إن كنت في حاجة إلى المواساة , ولتقواك إذا كنت عاكفا على عمل ولتزيد في رغدك وانشراحك إذا كنت منشرحا سعيدًا.
الرسالة التي كانت هي المزيج بين العتاب الرقيق وطلب الاهتمام الخفي والتعبير عن الحب بين ثنايا الأسطر هي الرسالة التي دفعت جبران ليوضح لمي زيادة سبب انقطاعه عن الكتابة ولما هو غير قادر على دباجة الأسطر.
صالون مي زيادة هو الصالون الذي بدأ منه كل شيء، بدأ منه إبداع مي زيادة، بدأ منه ظهور الحب في حياة مي زيادة، كما أنه كان السبب في حب جبران لها مما جعل بين أيدينا الآن أرق وأصدق رسائل الحب في العصر الحديث.
تابعنا على جوجل نيوز