كفارة الزنا في الإسلام
كفارة الزنا في الإسلام تبُثّ في نفس منزلة مُرتكب تلك الجريمة الأمل في مغفرة الله -عز وجل- له، فالزنا من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، أوجب الله حدًا على مُرتكبيها، وتوعد لهم بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، فكيف لعبد تاب وأناب وندم على فعله أن يُكفّر عن فعلته تلك؟
كفارة الزنا في الإسلام
نهت الشريعة الإسلامية عن ارتكاب الكبائر، وبينت صنوف تلك الكبائر حتى يتجنبها العبد الصالح الراغب في مرضاة الله عز وجل، وحرم الله الزنا ونهى عنه في كثير من الآيات، وبيّن عظمها.
حيث قال: “وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا” (الإسراء/32)
كما قال تعالي في سورة الفرقان: “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)“.
من رحمة الله -عز وجل- أن جعل الكفارة؛ حتى يتمكن العبد من التكفير أو تعويض ما ارتكبه من ذنب، ولأن الزنا من الكبائر التي أوجب الله حدًا على مُرتكبها، فإنها ليس لها كفارة؛ لأن الكفارة لا تجزئ عن تلك الذنوب.
تكون كفارة الزنا في الإسلام بالتوبة إلى الله -عز وجل- والعزم على عدم الرجوع إلى فعل الزنا مرة أخرى.
فقد قال الله تعالى: “إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)” (سورة الفرقان).
كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ تابَ قبلَ أنْ تطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبِها، تابَ اللهُ عليْهِ.
فباب التوبة مفتوح أمام كل ذنب مهما عظم هذا الذنب، والأفضل في حق مرتكب كبيرة الزنا ألا يفضح نفسه وقد ستره الله.
شروط قبول التوبة من الزنا
إن الله -عز وجل- يفرح بتوبة العبد وإنابته، وفي ضوء الحديث عن كفارة الزنا في الإسلام، فمن أجل قبول التوبة وحتى تكون توبة نصوح؛ يجب أن يتحقق فيها عدة شروط:
1- الإقلاع عن الزنا
أول ما يجب على العبد فعله هو التوبة عن فعل الزنا أو مقدمة من مقدماته، ويبتعد عن أي باب يوصّله لفعل تلك الكبيرة مرة أخرى، فيقطع كافة علاقاته وكل ما اتصل بالفاحشة.
2- الندم على فعل الذنب
فلا تتحقق التوبة إذا لم يندم العبد على فعله، وشعر بألم قلبه في كل مرة يتذكر فيها ارتكابه للذنب، فيتضرع إلى الله في بذل وانكسار، وألا يجهر بالمعصية.
روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرين، وإنَّ من الجِهارِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملًا ثم يُصبِحُ وقد ستره اللهُ تعالى فيقولُ: عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يسترُه ربُّه، ويُصبِحُ يكشفُ سِترَ اللهِ عنه.”
3- العزم على عدم العودة
فالعبد التائب يجب أن يستمر في توبته لا يقطعها، ولا يعود لارتكاب الفاحشة مرة أخرى، بل يتقرب إلى الله بالطاعات؛ حتى يُبدل سيئاته حسنات، وتلك هي التوبة النصوح التي أخبر الله عز وجل عنها.
قال تعالى في سورة التحريم: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ… (8)”
4- قبل حضور الموت
فإن التوبة لا تقبل إذا صدرت من العبد عند خروج الروح من الجسد، فإنه في هذه الأوقات لا تنفعه طاعة ولا تضُره معصية.
قال تعالى في سورة النساء:“ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)“
5- التوبة قبل طلوع الشمس من المغرب
تلك علامة الساعة الكبرى، فالله يقبل توبة العبد ما لم تقم الساعة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ مَنْ تابَ قبلَ أنْ تطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبِها، تابَ اللهُ عليْهِ.”
اقرأ أيضًا: مقدار كفارة عدم قضاء الصيام للحائض في الجزائر
هل كفارة الزنا في الإسلام تُسقط الحد؟
بيّن الفقهاء أن الزاني إذا وصل أمره للحاكم وثبت عليه ارتكاب الزنا، فإنه يجب عليه الحد، وأن التوبة في تلك الحالة لا تُسقِط الحد.
أمّا لو أقر على نفسه ارتكابه للفاحشة، ولم يثبت عليه فعله إلا بإقراره، وظهرت عليه إمارات الندم والإنابة والتوبة، فالإمام بالخيار في تلك الحالة إن شاء عفا عنه، وإن شاء أقام الحد.
بينما وقع خلاف بين الفقهاء حول ما إذا كانت كفارة الزنا في الإسلام مُسقطة للحد أم لا، وبيانه على النحو التالي:
1- التوبة والحد معًا
ذكر جمهور الفقهاء أن التوبة لا تُسقط الحد على الزاني، واستدلوا على ذلك بما يلي:
- فعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إنه أقام الحد على التائب من الزنا، وهذا ما ورد في حديث الغامدية التي أقام عليها حد الرجم: “قد تابت توبةً لو قُسِّمَتْ بين سبعين من أهلِ المدينةِ لوسعَتْهم، وهل وجدَتْ توبةً أفضلَ من أن جادَتْ بنفسِها للهِ.” ففعل النبي دليل على عدم إسقاط الحد.
- قول الله تعالى في سورة النور: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ… (2)” فالآية عامة لم تستثني من وجوب الحد التائب.
2- التوبة تكفي للمغفرة
ذكر بعض الفقهاء أن حد الزنا يسقط بالتوبة دون تحديد وقت الفاحشة ما لم تصل للحاكم، واستدلوا على ذلك بما يلي:
- قول الله تعالى في سورة النساء: “ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)” فقد ذُكر في القرآن صراحة أن حد الزنا يسقط بالتوبة.
- قول النبي -صلى الله عليه سلم-: “ التَّائبُ من الذَّنبِ كمن لا ذنبَ له“
- قال الله -عز وجل- في سورة الزمر: ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
فخلاصة القول: أن الضابط في هذا الأمر هو وصله للحاكم من عدمه، فإن ستر الله عبده ولم يفضحه، وجب عليه الإنابة والرجوع إلى الله بالتوبة، وألا يفضح نفسه، أمّا إذا وصل الأمر للحاكم فالواجب حينها إقامة الحد، ويكون بمثابة توبة وتطهير للمرء من تلك الفاحشة.
كفارة مقدمات الزنا
تعددت درجات الزنا وصوره، فيكون بالعين، واللمس، واللسان، وكذلك زنا القدم، وزنا الأذن من خلال سماع صوت الأجنبيات بتلذذ…وغيرها، فكل تلك الصور هي مقدمات للزنا الموجب للحد.
فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أبو هريرة: “كتب على ابنِ آدمَ حظُّه من الزنا فهو مدركٌ ذلك لا محالةَ، فالعينانِ تزنيانِ وزناهما النظرُ، والأذنانِ تزنيانِ وزناهما السمعُ، واليدان تزنيان وزناهُما البطشُ، والرِّجلانِ تزنيانِ وزناهُما المشيُ، والقلبُ يتمنى ويشتهي، والفرجُ يصدقُ ذلك أو يكذبُه.”
فتكون الكفارة عن فعلى مقدمات الزنا بالتوبة إلى الله تعالى، فيجب على من فعل أي من تلك الذنوب سرعة الرجوع إلى الله والكف عنها، حتى لا يرى نفسه وقد ارتكب كبيرة الزنا الموجبة للحد، فاستحق بذلك غض الله عز وجل في الدنيا والآخرة.
يجب الإكثار من فعل الطاعات حتى ينشغل بها عن المنكرات والذنوب، فقد قال الله تعالى في سورة هود: “إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ… (114)”.
لم يُنهِ الله عن فعل أمر إلا لحكمة يعلمها، ولما فيه صلاح العبد، لذا يجب على المسلم امتثال أمر الله، والابتعاد عن كل منهي عنه، لأجل نيل محبة الله ومرضاته.
تابعنا على جوجل نيوز