الزواج وانحلاله في قانون الأسرة الجزائري.. ما بين الطلاق والخلع
الزواج وانحلاله في قانون الأسرة الجزائري جاء في إطار ما قام المشرع بتعديله مواكبةً للمستجدات والمتغيرات التي تتطلب حماية قانونية لحقوق المرأة، على أن أهم ما يُمكن الالتفات إليه في حقوقها ما يعني بأحقيتها في فك الرابطة الزوجية بألا يكون الأمر مُقيدًا بالسلطة المطلقة للزوج، ومن خلال موقع إيزيس سنُشير إلى أسباب انحلال الزواج في قانون الأسرة الجزائري.
الزواج وانحلاله في قانون الأسرة الجزائري
أحكام الأسرة من المواضيع التي تتعرض دائمًا للتجديد والتعديل في بعض مسائلها الجزئية، تبعًا لتجدد الوقائع والأحداث، الراجع إلى ما يطرأ على العصور من تغيرات شتى في مختلف الميادين.. أما عن مصير الأسرة الجزائرية فهي لا تنأى عن كونها أسرة في محيط اجتماعي متغير، أحيانًا ما يراودها التيار الغربي، وأحيانًا ما تنجرف وراء الأسر التقليدية ولا تعطي بالًا للتطور الحضاري.
تم تعديل قانون الأسرة الجزائري وفقًا للمشرع بحيث عني بالتركيز على وضع المرأة في الأسرة، خصيصًا فيما يتعلق بالزواج والطلاق، فكان القانون بمثابة تعزيزًا لمركز المرأة قانونيًا ليكون متوازنًا مع مركز الرجل في أسرته، بيد أن الأمر اشتمل على بعض التفاصيل منها:
- تأكيد حق الزوجة الجزائرية في الخلع دون اشتراط موافقة زوجها.
- حق المرأة المطلقة في حضانة أبنائها والولاية عليهم.
- ترتيب الحاضنين.
- تولي المرأة الراشدة عقد زواجها.
- شروط الزوجين في العقد.
- زيادة حالات الطلاق في الشارع الجزائري.
ما إلى ذلك من تفاصيل شتى عني المشرع بتوضيحها في القانون المعدل، فلما كانت الأسرة هي الخلية الأساسية التي تُكون على أساسها المجتمعات فإن تشريعات كافة الدول قد تعرضت إلى أحكام الأسرة بشكل مفصل حسب طبيعتها وخصوصيتها، أما عن شريعتنا الإسلامية فكانت فيها الأحوال الشخصية مفصلة الأحكام.
لأن أغلبها ما يُبنى على مصالح ثابتة لا تتعرض للتغيير إلا وفق مستجدات العصر فحسب التي هي تتسارع في النشوء والانتشار، وبعد استقلال الجزائر.. تعرضت إلى فراغ قانوني خصيصًا في مجال تنظيم الأسرة خاصةً في مسألتي الزواج والطلاق.
رغم صدور العديد من القوانين خلال الفترة الاستعمارية المعنية بتلك المسائل إلا أن المشرع الجزائري قد تدخل في الأمر من خلال قانون رقم 11 عام 1984م، وظهر جمع من الراغبين في تعديل هذا القانون حتى يكون مسايرًا لما يشهده المجتمع الجزائري من تطور مستمر، مما أدى لحدوث تدخل تشريعي جديد في عام 2005م.
من أهم المواضيع التي عني بتعديلها هو “انحلال الرابطة الزوجية” في الجوانب الإجرائية والموضوعية، فكان الطلاق من أهم ما شهد تعديلًا حيث أضاف المشرع أسباب ودواعي من خلالها يكون للزوجة الحق في طلب الطلاق، وفقًا للمادة 53، 54 واللتان تناولتا انحلال الرابطة الزوجية عن طريق الخلع، من هنا حازت الزوجة على الحرية الأكبر في الطلاق بإرادتها المنفردة.. بعيدًا عن الزوج.
علاوةً على التعديل.. نجد أن المشرع الجزائري عمل على استحداث مواد جديدة لم تكن في القانون الجزائري السابق، على سبيل المثال:
- التدابير الاستعجالية التي تتعلق بطبيعة الأحكام الصادرة في شؤون الأسرة.
- تفعيل دور النيابة العامة في القضايا الأسرية.
أولًا: انحلال الرابطة الزوجية بالتطليق
في الشق الأول من حديثنا عن الزواج وانحلاله في قانون الأسرة الجزائري نذكر أن المشرع الجزائري لم يتطرق لتعريف التطليق، فقد كان في مجمله متذبذبًا بين التطرق إلى التعاريف وغض الطرف عنها، إلا أنه أشار إلى أن الطلاق حل عقد الزواج، أما عن الصورة التي يكون عليها الطلاق فهو إما بإرادة منفردة أو من خلال تراضي الزوجين، أو ما يكون وفقًا إلى طلب الزوجة.
هنا نتطرق إلى أن الطلاق هو إحدى حالات انحلال الرابطة الزوجية، فقد منح القانون الجزائري المرأة في حال تعرضت إلى الضرر -المنصوص عليه شرعًا وقانونًا- أن تفك الرابطة الزوجية بناءً على إرادتها، بحكم قضائي حتى وإن عارض الزوج لقرارها، فطالما كانت متضررة فإن القاضي يعمل على التفرقة بينهما تحقيقًا لقوانين الإنصاف والعدل.. هذا إن تم إثبات أن استمرار الحياة الزوجية بينهما مستحيلة.
فكان المستجد في المادة 53 من قانون الأسرة أنه لم تعد إرادة الزوج فقط هي ما تُحدث انحلال للزواج، بل بإمكان الزوجة الأمر ذاته وفقًا للشروط الموضوعة وإلا قوبل طلبها بالرفض.
كما أن المادة 55 من ذات القانون أضافت أن الطلاق أيضًا يحدث نتاجًا لنشوز أحد الزوجين، مما يعني أن المشرع الجزائري لا يعتبر أن الفسخ من صور انحلال الرابطة الزوجية بل أخذ باعتبار الطلاق وفقًا للمذهب المالكي.. على أن للزوجة من شأنها أن تطلب التطليق وفقًا لسبب من الأسباب التالية:
- ارتكاب فاحشة مبينة.
- الشقاق المستمر فيما بين الزوجين.
- عدم الإنفاق ما لم يكن معسرًا.
- العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج.
- الهجر في المضاجع فوق أربعة أشهر.
- أن يرتكب الزوج جريمة ما بها مساس بشرف الأسرة بحيث تكون العشرة مستحيلة.
- الغيبة دون عذر ولا نفقة بعد عام.
- كل ضرر يقع عليها وفقًا للشرع.
- مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج.
التطليق للضرر في القانون الجزائري
لم يعرف المشرع الجزائري الضرر بشكل تفصيلي، ولكن اعتبر أن كل ضرر هو ما ذُكر في الشرع، ولقد أحسن المشرع الجزائري في عدم تحديده لأنواع بعينها للضرر، لأن ما يعتبر ضررًا لزوجة من شأنه لا يكون ضررًا لأخرى، كذلك لم يورد في الشريعة الإسلامية أي تمييز بين الأفعال الضارة التي تصدر عن الزوج ضد زوجته.. من هنا كان المعيار شخصيًا يعود إلى السلطة التقديرية للقاضي.
حتى يكون الضرر سببًا في أن يكون للزوجة الحق في طلب الطلاق لابد من توافر بعض الشروط:
- أن يقع الضرر من الزوج نفسه نتيجة فعل أو قول، أو يكون محرضًا الغير على زوجته.
- عجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين بعد عرض الصلح عليهما.
- لا يعتبر عدم رغبة الزوجة في البقاء مع زوجها سببًا في طلبها الطلاق، ولكن وفقًا للضرر الشرعي.
تعرفي أيضًا على: هل ضرب الزوجة يوجب الطلاق
موقف المشرع الجزائري من الاشتراط في عقد الزواج
إن المادة 19 في قانون الأسرة الجزائري تشير إلى أن الزوجين لهما أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي يرونها من الضروري الالتزام بها، خاصة ما يرتبط بتعدد الزوجات أو عمل الزوجة، طالما لم تتنافى الشروط الموضوعة منهما مع أحكام القانون الجزائري.. أو أحكام الشريعة الإسلامية.
من الجدير بالذكر الإشارة إلى ما جاء به المشرع الجزائري في حالة تعدد الزوجات، حيث أباح التعدد كمبدأ عام ولكنه مقيد بعدة شروط والتي تعني بتوافر المبرر الشرعي للزيجة الثانية علاوةً على نية العدل، مع العلم بضرورة إخبار الزوجة الأولى بأمر زواجه الثاني، على أن يُقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمسكن الزوجية.
في حين أن المادة 53 من القانون أشارت إلى أن الزوجة لها الحق في طلب الطلاق في حين خالف الزوج الشروط التي وضعها مع زوجته في عقد الزواج.
تعرفي أيضًا على: هل الشقة من حق الزوجة بعد الطلاق في الجزائر
موقف القانون الجزائري من التطليق للنشوز
إن المادة 55 من القانون الجزائري نصت على حالة نشوز أحد الزوجين حيث يحكم القاضي بالطلاق، كذلك إلزام التعويض للطرف المتضرر، فإن ادعت الزوجة نشوز زوجها كان لها الحق في طلب الطلاق.. كذلك الحق ذاته بالنسبة للزوج.
نجد أن النشوز من الناحية الفقهية يتحقق بمجرد إهمال الزوج لزوجته من الناحية المادية أو المعنوية، سواء كان داخل مسكن الزوجية أو خارجها، أما النشوز من الناحية القانونية فهو يتحقق بالامتناع عن طلب المعاشرة الزوجية، رغم أن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم يبين طرق إثبات النشوز.
في الواقع.. لا يعتبر القضاء الجزائري الزوجة ناشزًا إلا في حالة توافر بعض الشروط:
- صدور حكم قضائي نهائي يقضي برجوع الزوجة إلى محل الزوجية وأن يتم تبليغها به.
- سعي الزوج لتنفيذ الحكم في حين امتناع الزوجة عن ذلك.
- تحرير محضر امتناع عن الرجوع إلى محل الزوجية من المحضر القضائي.
أما في حالة نشوز الزوج، فإنه بعد إجراء محاولات للصلح من قبل القضاة وبعد تحرير محضر عدم الصلح، يقوم القاضي بالحكم بتطليق الزوجة لنشوز زوجها في حال إثبات رجوع الزوجة لمحل الزوجية وامتناع الزوج عن تنفيذ الحكم وعدم سعيه لإرجاعها.
تعرفي أيضًا على: في حالة عدم حضور الزوج جلسات الطلاق.. ماذا سيحدث؟
ثانيًا: انحلال الرابطة الزوجية بالخلع في القانون الجزائري
جئنا إلى الشق الثاني في الزواج وانحلاله في قانون الأسرة الجزائري.. حيث إن التشريع لم يعط تعريفًا محددًا للخلع، حيث اقتصر على كيفية تحقيقه، من خلال ما نص عليه القانون الجزائري المعدل في عام 2005م للمادة 54
بأن يكون للزوجة الحق في أن تخلع نفسها من الرابطة الزوجية دون موافقة زوجها وهذا بمقابل مالي، أما إن لم يتفقا على مقابل مالي فللقاضي أن يحكم فيه بما لا يتجاوز قيمة الصداق عند صدور الحكم، من هنا يتسنى لنا أن الخلع هو معاوضة تقوم الزوجة بدفعها لزوجها مقابل انحلال الرابطة الزوجية.
إن القوانين العربية -كالقانون المغربي على سبيل المثال- اعتبرت أن الخلع طلاقًا بائنًا، إلا أن القانون الجزائري لم يتطرق إلى طبيعة الانحلال الحاصل بين الزوجين عن طريق الخلع، ولكن.. لما كان الخلع هو افتداء الزوجة بمال إلى الزوج وبناءً على أن القانون الجزائري يستند إلى المذهب المالكي، فإن حكمه يكون كالطلاق على المال، فيما يعني “الطلاق بعوض” وهو ما يدخل في إطار الطلاق البائن.
على أن قانون الأسرة الجزائري خول للمرأة هذا الحق باعتباره حقًا خالصًا لها أن تستعمله متى شاءت دون شريطة موافقة زوجها.
إن عقد الزواج من العقود المقدسة فهو الميثاق الغليظ المقنن بعدة قواعد من شأنها الحفاظ على استمراره، إلا أن المشكلات الأسرية من شأنها أن تؤدي إلى انحلال الرابطة الزوجية..
تابعنا على جوجل نيوز