عذاب القبر ونعيمه في القرآن
عذاب القبر ونعيمه في القرآن لم يعلم منه العبد سوى القليل، فبيّن المولى عز وجل أن حياة الموتى قبل البعث تكون في البرزخ، وهي الحياة ما بين الدُنيا والآخرة، لكن لا يتم التأكد أبدًا من طبيعة هذه الحياة.
عذاب القبر ونعيمه في القرآن
على المسلمين الإيمان بعذاب القبر ونعيمه بعد الموت، حيث بيّن الله عز وجل نبذة عن تلك المرحلة من حياة العباد قبل البعث، فيحصل العبد على المكانة التي يتمناها في الآخرة بدايةً من ولوجه إلى القبر.
أولًا: عذاب القبر
استمرار العذاب في القبر أو توقفه أمر يعود إلى الله –عز وجل- وحده، حيث وضح في القرآن الكريم عذاب القبر ونعيمه وبيّن مصائر بعض من أقوامه.
قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ {الأنعام: 93}
في هذه الآية يؤكد أن الملائكة يضربون الكفار أثناء خروج روحهم، وقال المفسرون أن معنى ﴿بَاسِطُو أَيْدِيهِم﴾ [الأنعام: 93] أي أنه بالضرب والعذاب، ويكون هذا العذاب في البرزخ وليس في الآخرة، وتقول لهم ملائكة الموت: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام: 93]، ويعتبر هذا دليل واضح عن عذاب القبر.
قال الله تعالى عن قوم نوح عليه السلام: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا﴾ [نوح: 25]، أغرقهم الله بسبب ذنوبهم، وقال الله –تعالى- (فأدخلوا) والفاء هنا تفيد السرعة وليس التراخي.
قال تبارك وتعالى عن الكافرين: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [الأنفال: 50، 51].
في هذه الآية يخبرنا الله أن الملائكة تضرب أدبار الكافرين ووجوههم؛ لتعذيبهم واحتقارهم عند أخذ أرواحهم، وتقول لهم حين تقبض أرواحهم: ذوقوا عذاب الحريق، وهذا في البرزخ قبل الآخرة.
مثل هذه الآية قولُه تعالى عن المنافقين: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [محمد: 27].. قال الله عز وجل عن آل فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 46]، الذين اتبعوا فرعون هلكوا معه في البحر، وقال الله لنا أنه سيستمر في تعذيبهم في البرزخ كل يوم، ثم في يوم القيامة يبعثهم الله بأجسادهم وأرواحهم لكي يعذبهم أشد عذاب.
قال الله تعالى عن أصحاب الأخدود: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: 10]، يقول الله –عز وجل- لنا أن أصحاب الأخدود الذين حرّقوا المؤمنين والمؤمنات، ليس لهم عذاب واحد فقط، بل عذابان، عذاب الحريق في قبورهم، وعذاب جهنم في الآخرة.
كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [محمد: 4 – 6]، أخبرنا الله أنه سيصلح حال الشهداء بعد موتهم ويُدخلهم الجنة، وذلك تبين من أدلة عذاب القبر ونعيمه في القرآن.
ثانيًا: نعيم القبر
يجب أن نؤمن بفكرة أن الروح تعود إلى الجسد في القبر، والتصديق بنعيم القبر وعذابه، حيث تبدأ الملائكة في سؤال العبد طالما نزل القبر، وتُطلعه على مكانه في الآخرة.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران 169-171).
هذه الآية تبرهن أن الشهداء عند ربهم ينعمون في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فالذي يؤمن بالنعيم في القبر يجب أن يؤمن أيضًا بعذابه، فالله الذي وضع الشهداء في هذه المكانة، قادر على تعذيب الكفار في قبورهم، فالله قادر على كل شيء ولا يظلم أحدًا، قال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].
لإثبات عذاب القبرونعيمه قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [الحج: 58، 59]
في الآية الموضحة سلفًا إثبات أنه من مات في سبيل الله أو مات من أهل الإيمان بدون قتل، سيرزقه الله الجنة، فقد ذكر الله في هاتين الآيتين نعيم الجنة ونعيم البرزخ، ويكون ذلك لمن مات في سبيل الله أيضًا وليس للشهداء فقط، ﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].
كما قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة: 83 – 94].
في تلك الآيات الموضحة آنفًا برهان على عذاب القبر ونعيمه في القرآن، حيث تُفيد الفاء المُرفقة إلى الجمل التعقيب المباشر، أي أنه بعد قبض روح الإنسان الضال ينزل مباشرةً في جهنم، ويصلى نار في البرزخ قبل يوم القيامة.
اقرأ أيضًا: للحامل.. إليكِ أدعية مستجابة لتثبيت الأجنة والحفاظ على صحة الجنين
الأسباب المقتضية لعذاب القبر
أوضح الله تعالى عذاب القبر ونعيمه في القرآن وعلى لسان رسوله وحبيبه مُحمد صلى الله عليه وسلم لحكمةٍ ما.
1- سبب عذاب القبر ونعيمه المُفصل
فقد قال النبي عن الرجلين اللذين رآهما يعذبان في قبورهما، يترك أحدهم الاستبراء من البول، ويمشي الآخر بالنميمة بين الناس، فأحدهم ترك الطهارة الواجبة عليه، وهذا ارتكب ما يوقع الناس في عداوة مع بعضهم البعض بلسانه.
حتى وإن كان صادقًا، وهذا يدل على أن الإيقاع بين الناس بالكلام الزور والكذب أشد عذاب.
2- سبب العذاب في القبر المُجمل
فهم الذين يعذبون بسبب جهلهم بربهم، وارتكابهم المعاصي، وإضاعتهم لأمره، فالله لا يعذب روحًا عرفته، وامتثلت لأوامره، وابتعدت عن نواهيه، وأطاعته.
إن عذاب القبر وعذاب الآخرة ناتج عن غضب الله وسخطه على الإنسان، فمن يغضب الله منه، ثم مات وهو لم يتب، كان له نصيب من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه.
المُنجيات من عذاب القبر
النجاة من عذاب لها أسباب يجب على كل مسلم ومسلمة أن يحرصوا على معرفتها والأخذ بها.
- الإكثار من الاستعاذة من الشيطان الرجيم.
- الإنفاق في سبيل الله وإخراج الصدقات.
- الاستشهاد في سبيل الله.
- الإكثار من الأعمال الصالحة، والاجتهاد فيها، فهي تأتي بأحسن ريح للمؤمن في قبره تؤنسه في وحشته.
- مشيئة الله –عز وجل- في أن يموت العبد يوم الجمعة، أو في ليلتها، فقد قال الرسول –صلى الله عليه وسلم- أنها سبب من أسباب النجاة من عذاب القبر، وبالرغم من ذلك فليس كل من مات في يوم الجمعة ناجٍ من عذاب القبر.
ينكر الناس فكرة عذاب القبر بحجة أنهم لا يرون شيئًا منه في القبور، لكن الله المُحيط بكل شيئًا علم لم يوضح تلك الدلالات سُدى، بل ليؤمن قومه بالآخرة وعذابها.
تابعنا على جوجل نيوز