عادات وتقاليد الزواج في صعيد مصر
عادات وتقاليد الزواج في صعيد مصر لا زال فيها رسوخًا إثر الرواسب الثقافية التي تمنح المجتمع المصري نوع من التفرد والخصوصية، فيتميز عن غيره من المجتمعات.. تلك الرواسب التي تنتقل من جيل لآخر لتعيد إنتاج ذاتها مرة ثانية، رغم وجود عوامل دافعة إلى التغيير.
عادات وتقاليد الزواج في صعيد مصر
لكل موروث ثقافيّ أهمية وتأثير ملحوظ على التغيرات الحادثة في النظم الاجتماعية.. كنظام الزواج مثلًا، فعلى الرغم من التحولات الطارئة على كثير من المجتمعات والطفرة الاقتصادية في العقود المنصرمة، إلا أنك ترى جزءًا ليس بقليل من تلك الموروثات لا زالت ثابتة راسخة.
هذا لا ينفي التأثير الملحوظ على المجتمع المصري لاسيما في نظامي الأسرة والزواج.. فهناك انفتاح ثقافي وتطور تكنولوجي وثورات سياسية تبعها انفتاح فكري نال من حالة الجمود والتعصب في عادات وتقاليد الزواج في صعيد مصر.
يختلف صعيد مصر في عاداته وتقاليده عن بقية محافظات مصر، لاسيما فيما يتعلق بالزواج، فكثيرٌ من المعايير الحاكمة لأهل الصعيد يُمكن ملاحظتها، باعتبارها جزءًا من هويتهم وشخصياتهم، ونظام حياتهم.. ولنا أن نفرد في الخطوط العريضة بصدد عادات وتقاليد الزواج في صعيد مصر..
أولًا: اختيار العروس
يكون اختيار صاحبة الصون والعفاف من الأم أو الأخت أو العمات أو الخالات.. فالمهم أن تختارها أنثى مثلها، على أن يتم الاختيار وفق التحري الطويل والبحث الدقيق.
فهم معنيون باختيار ذات السمعة.. وهناك ما يُعرف بـ “قعدة الرجالة” تلك التي تجمع أهل العريس والعروس، لا مكان للنساء فيها، بل الأخوال والأعمام ممن يتفقون على مسائل الجهاز والذهب والمهر وما شابه.
بالإشارة إلى السياق.. هو فردٌ أو مجموعة، هم بمثابة الوسيط بين أهل الطرفين، شريطة أن تكون العلاقات طيبة معهما، كذلك من الشائع أن يكون الوسيط من أكابر البلدة.
ثانيًا: الطيابة “الخطبة”
تلك المرحلة التي يذهب فيها أهل العريس إلى خطبة الفتاة، يأتون في موكب به كبار البلد وأهل العريس، على أن يكون محملًا بالهدايا.. في ظل ولائم واستعدادات كبيرة من أهل العروس.
ثالثًا: جهاز العروسين
من عادات الصعيد في مراسم الزواج ما لا يختلف عن بقية محافظات مصر، فالعريس يتحمل الشقة كاملة وعددًا من الغرف لتجهيزها، بيد أن العروس تقوم بالستائر والفرش والمطبخ.
على أن يكون هناك اتفاق إن زاد عدد الغرف أن تتحمل العروس واحدة منهم، أما عن إعداد الولائم وما شابه في ليلة الزفاف فيكون بسخاء.. لا خلاف عليه.
أما عن الشبكة فهي هدية العريس، إلا أن الأب يعتاد على شراء الشبكة لابنته، فيكون لفتاة الصعيد سعيدة الحظ شبكتين معًا من زوجها وأبيها.
هناك ما يُعرف بـ “حق الرباية” وهو مبلغ مالي يدفعه العريس لوالد العروس “تعويضًا عن ربايته لها”.
اقرأ أيضًا: عقد الزواج الإسلامي في أمريكا.. هل يعتد به زواجًا صحيحًا؟
رابعًا: زيارة العريس
يقدم أهل العروس للعريس خروفًا على الغداء، وعشاء كامل للأهل والجيرة، على أن العريس يُعطي زوجته قيمة مالية يُتفق عليها لشراء ملابسها والكوافير وما شابه.
على أن كتب الكتاب يكون في ديوان العائلة، حيث يُطلق أهل العروسين النار.. فضرب النار هو ما يُميز انتمائهم إلى عائلة اجتماعية ذات مكانة.
خامسًا: ليلة الحنة
لاسيما في محافظة قنا.. هناك الكثير من العادات والتقاليد في المناسبات المختلفة والأفراح، من ضمنها “الحناء” فليلة الحنة لم تعد كما كانت، بل هناك مظاهر للفرح تم استحداثها.
فأضحت حفلة الحنة تستهدف صبغ العريس من رأسه لقدميه بها، على مرأى من الحضور، يُشاركونها بصدر رحب.
أما عن مراسم الزفاف فتبدأ قبل الليلة الأخيرة بفترة، حيث الاحتفالات في منزل العروس، وإرسال كل ما يخصها إلى بيت الزوجية، حيث تجتمع فتيات العائلة للفرش وما شابه.
سادسًا: شرب اللبن
عادةً بعد الانتهاء من حفل الزفاف، يمتنع العروسان عن تناول الشراب والطعام إلا المُجهز من منزل الوالدين.. كما تنتظر إحدى النساء على باب منزل الزوجية.
فتُجهز كوبًا من اللبن، وتُجبر العروسين على تناوله، اعتقادًا أنه يفك السحر والنحس، حتى تكون حياتهما بدايةً باللون الأبيض.
سابعًا: منديل الشرف
بعض القرى والمدن المصرية تُمارس تلك العادة من عادات وتقاليد الزواج في مصر، تكون في ليلة الدخلة، وهي بالأحرى “دخلة بلدي”.
حيث يتم إفضاء غشاء البكارة لا بالإيلاج إنما بأصبع اليد الملفوف بهذا المنديل الأبيض.. وما يجعل الأمر أكثر بشاعة أن بعض العائلات لا يكتفون برؤية المنديل الملطخ بالدماء، إنما تحرص الوالدة أو أخت العريس على الحضور!
ما إن يخرج الزوج حاملًا المنديل، يرفعه أمام الجميع، لتعلو الزغاريد احتفاءً بشرف الفتاة.. ولنا أن نشير إلى أن تلك العادة إنما هي منافية للمروءة والمودة بين الزوجين.
عادة جامدة إلى الحد الذي يربط هذا المنديل بشرف الفتاة وعذريتها، رغم إثبات العلم الحديث أن قطرات الدماء تلك لا يُعتد بها دلالة مؤكدة على عذرية الفتاة.
الزواج القبلي “الحلال المر”
هو ما يوصف به حال صعيد مصر في بعض القرى، حيث الإكراه الإلزامي للزواج، فلا زال متجذرًا في مجتمعات الجنوب لاسيما في قنا وأسيوط وسوهاج والمناطق التي يغلب عليها القبلية.
ربما كان مُسلسل “ذئاب الجبل” مُجسدًا مرارته وويلاته، وهذا الإكراه في الزواج يؤول في نهاية المطاف إلى مشكلات وراثية في الإنجاب والطلاق المبكر.
الزواج في الصعيد في عيون باحثة إنجليزية
إنها “بلاكمان” التي كرست سنوات من حياتها للنظر عن كثب إلى مجتمع الصعيد، فلم ينأى حديثها في مؤلفها عن عادات وتقاليد الزواج في صعيد مصر.. تلك الأطروحة التي سلطت فيها الضوء على المرأة الصعيدية.
- المرأة في صعيد مصر ليست مقهورة كما يعتقد البعض.. فهذا من قبيل الخرافات.
- من الناحية النظرية تبدو المرأة هناك وكأنها مغلوبة على أمرها.. وعمليًا الرجل هو المضطهد.
- التعاويذ من حيل الفتيات.. حتى لا يعدو من أمامهنّ قطر الزواج.
- الفتيات في محاولة لجذب العرسان، في ظل تشجيع أمهاتهنّ.
- الزواج في عمر مبكر هو الأمر الطبيعي للشباب والفتيات، وما عاداه يثير الغرابة.
- أن تجد فتاة قاصر تتزوج رجل في العقد الرابع من عمره إنما هو أمر محتمل بل وشائع في بعض القرى.
- أكثر ما يشغل أمهات الصعيد.. زواج فتياتهنّ، فهو الشغل الشاغل والهدف الأوحد.
- المأذون هناك كان يتغاضى عن سن العروس حتى وإن كان القانون يمنعه، نظير ما يحصل عليه من أجر لإتمام الزيجة.
- من مراسم الزواج وطقوسه إقامة الولائم الضخمة، وإهداء المبالغ المالية الطائلة للعروسين “على سبيل النقطة”.
- الإنجاب هو أهم ما تتوق إليه الفتاة فور زواجها، وما إن تأخرت إحداهنّ أيام قلائل، تلجأ إلى الكثير من الطرق والحيل لتحمل.
إنّ التراث الثقافي ليس فقط ركيزة تاريخية بل هو حصيلة لعادات وتقاليد أجيال لا زالت قابعة في أذهانهم، فكل جيل يستمد مقوماته من الجيل السابق إثر الروابط القوية بينهما.
تابعنا على جوجل نيوز