رباعيات صلاح جاهين عن الدنيا
رباعيات صلاح جاهين عن الدنيا بسيطة الألفاظ لكنها عميقة المعنى، هذا هو المبدع الذي يقدر على خلق عالمه الخاص.. فبمجرد سماع لفظ (عجبي) تتبادر إلى ذهنك صورة أعظم شعراء العصر الحديث وصوته أيضًا الذي يذكر أجيال كاملة بأهدافها، أحلامها الضائعة وثقافتها المهدرة والنصائح التي رافقت العديد أثناء فترة الصبا والشباب.
رباعيات صلاح جاهين عن الدنيا
تميز شعر صلاح جاهين النثري ببقائه على تفعيلة واحدة وقافية واحدة تتمثل في أربعة سطور بليغة تُعبر عن فكرة معينة، فمنها ما يُشير إلى الموت أو الشباب أو الثورة وأحوال البلاد، أما الأفضل من بينهم كانت رباعيات صلاح جاهين عن الدنيا.
“يأسك وصبرك بين يديك وأنت حر
تيأس ما تيأس الحياة راح تمر
أنا دُقت من ده ومن ده عجبي
لقيت الصبر مر وبرضه اليأس مر”.
صلاح جاهين في تلك الرباعية يوضح أن الدنيا لا يصح أن يعيشها الإنسان مزودًا باليأس، ولكن يؤكد أيضًا أن كلًا من اليأس والصبر الذي انتقل حاله بينهما ليسوا أمور بسيطة وسهلة ولكل منهم ضريبته.
“الدنيا صندوق دنيا دور بعد دور
الدكة هي وهي كل الديكور
يمشي اللي شاف ويسيب لغيره مكان.
كان عربجي أو كان إمبراطور”.
هنا يُخبر جاهين عن أن الدنيا ليست هي دار البقاء والخلود، بل هي المكان الذي يتركه الجميع بالموت أيًا كانت طبقتهم الاجتماعية، فحال الدنيا لا يفرق بين غني أو فقير، متواضع المهنة أو صاحب المقام الرفيع.
“نوح راح والطوفان استمر
مركبنا تايه لسه مش لاقي بر
اه من الطوفان وآهين من بر الأمان
ازاي تبان والدنيا غرقانة شر”.
يوضح صلاح جاهين في تلك الرباعية أن المرء في دنياه يبحث عن بر الأمان والاستقرار، ولكن يطرح التساؤل الذي يراود العديد عن كيفية إيجاد هذا الأمان والدنيا مليئة بالشر والحقد.
“خرج ابن أدم من العدم قولت ياه
رجع ابن أدم للعدم قولت ياه
تراب بيحيا وحي بيصير تراب
الأصل هو الموت ولا الحياة”.
تلك الرباعية هي توضيح الفكر الفلسفي عند صلاح جاهين حول أصل الوجود أهو الموت أم الحياة والدنيا التي نحن بها، الإنسان خلق من تراب وبعض هذا التراب يحيي من جديد، لذا يمكن اعتبار تلك الرباعية فلسفية بامتياز.
“خوض معركتها زي جدك ما خاض
صالب وقالب شفتك بامتعاض
هي كدة متنولش منها الرضى
غير بعد صد ورد وأوجاع مخاض”.
يوضح جاهين في تلك لرباعية أن الدنيا يجب أن يتحلى بها المرء بالصلابة والقوة، فمنذ الأزل يقاوم الإنسان لينعم في دنياه فلا توجد نتيجة مرضية بدون عبور طريق الألم.
“أحب العيش ولو في الغابات
أصحى كما ولدتني أمي وابات
طائر، حيوان، حشرة بس أعيش
محلى الحياة حتى في هيئة نبات”.
يري جاهين أن المرء في دنياه يفضل الاستمتاع بحياته حتى لو وضع أمامه عدة اختيارات لعيش تلك الحياة، دون هيئة الإنسان سيقبل بسبب تلك الغريزة القوية بداخله، فليست الدنيا بدنيا إلا إذا عاشها صاحبها من بني الإنسان.
“لو فيه سلام في الأرض وضمان وأمن
لو كان مفيش ولا فقر ولا خوف وجُبن
لو يملك الأنسان مصير كل شيء
ده أنا كنت أجيب للدنيا 100 ألف ابن”.
الخوف من الدنيا هو حال العديد من البشر وهذا ما وضحه جاهين في رباعيته، فالإنسان عند ضمانه لموارد حياته وتأكده أنه المتحكم الأول والأخير بها يجعله هذا قادرًا على ممارسة حياته بشكل أكثر جرأة وإقبال.
“الدنيا أوضة كبيرة للانتظار
فيها ابن أدم زيه زي الحمار
الهم واحد، والملل مشترك
ومفيش حمار بيحاول الانتحار”.
تعبر تلك الرباعية أن بني البشر جميعهم مشتركين في نفس الألم والهم والملل الروتيني المُسيطر على حياتهم العملية، ويعبر أيضًا جاهين أن محاولة الهروب من تلك الضغوط عن طريق الانتحار هو درب من دروب السخافة.
“أنا قولت كلمة وكان لها معنيين
كما بطن واحدة وتوأمين زين وشين
لو دنيا شر التوأم الخير يموت
ولو دنيا خير الشر هيعيش منين؟”.
الرباعية السابقة هي تعبر من جاهين أن الدنيا لا يمكن أن تستمر دون وجيهها الثابتين الخير والشر، فلا وجود لشر مطلق ولا لخير مُطلق، فالدنيا هي دار النقص وعدم الكمال، الشر المطلق هو الجحيم، والخير المطلق هي الجنة.
“عجبي عليك يا صبح مغصوب يا ليل.
لا دخلتها برجليا ولا كان لي ميل.
شايلني شيل دخلت أنا في الحياة.
وبكره هخرج منها شايلني شيل”.
يوضح جاهين أنه ليس هناك شخص حي واحد في هذه الدنيا ولد تبعًا لرغبته، فالحياة هي الدار التي يدخلها الإنسان دون إرادة منه ويتركها أيضًا دون إدراك، ولكن ما بين الأجلين يعيش الفرد تبعًا لقرارته وإرادته فقط.
اقرأ أيضًا: قصائد احمد فؤاد نجم الممنوعة
نصائح في رباعيات صلاح جاهين
تناول صلاح جاهين في رباعيته عدد من النصائح التي يجب على الانسان الانصات لها بعناية.. فهو قام بتلخيص عصارة خبراته وتجاربه في رباعيات صلاح جاهين عن الدنيا
“لا تجبر الإنسان ولا تخيره
يكفيه ما فيه من عقل بيحيره
اللي النهاردة بيطلبه ويرضاه
هو النهاردة اللي هيشتهي يغيره”.
النصح الصريح الموجود في تلك الرباعية هو عدم إجبار فرد لآخر على فعل شيء، فالإنسان بطبيعته مُتقلب ومُتغير؛ لذا يجب على الفرد أن يختار دون إجبار أو تدخل كي يتحمل نتيجة الاختيارات بمفرده.
“بحر الحياة مليان بغرقى الحياة
صرخت! خش الموج في حلقي ملاه
قارب نجاه! صرخت! قالوا مفيش
غير بس هو الحب قارب نجاه”.
يعبر جاهين عن طوق النجاة الأوحد في تلك الدنيا وينصح الناس بالتمسك به، ألا وهو الحب، الحب بين المرء وزوجه، بين الأصدقاء والأخوة هو الذي يجعل الحياة قائمة على الود مما يجعلها دار أمان.
“كرباج سعادة وقلبي منه انجلد
رمح كأنه حصان ولف البلد
ورجعلي نص الليل وسألني
ليه خجلان تقول إنك سعيد يا ولد”.
يحث صلاح جاهين الناس في تلك الربعية على عدم إدمان الحزن، بل استقبال الفرح والسعادة والتعبير عنها بشكل واضح، فالطاقة التي يتحلى بها المرء تجذب له الطاقات المتشابهة أيا كانت طبيعتها حزينة أو سعيدة.
“حاسب من الأحزان وحاسب لها
حاسب على رقابيك من حبلها
راح تنتهي ولابد يوم راح تنتهي
مش انتهت أحزان من قبلها؟”.
يحذر جاهين في الرباعية تحذير شديد اللهجة حول الحزن، الحزن هو شعور ينقضي وينتهي كغيره من المشاعر، لذا يجب على المرء ألا يدع حبال هذا الإحساس تسيطر عليه درجة أن تقتله.
“ولدي نصحتك لما صوتي اتنبح
متخافش من جني ولا من شبح
وإن هب فيك عفريت قتيل اسأله
مدافعش ليه عن نفسه يوم ما اندبح؟”.
يجب على الإنسان أن يتحلى بالشجاعة وعدم الخوف من أي كائن على وجه الأرض، جميعنا عمينا من الأزمات والسقطات فلا يوجد أحد أقوى منك سواك.
“ولديّ إليك بدل البالون 100 بالون
انفخ وطرقع فيه على كل لون
عساك تشوف بعينك مصير الرجال
المنفوخين في السِدرة والبنطلون”.
التخفي في المظهر الجيد مع خلو الشخصية من القيم الإنسانية السليمة الحقيقية يجعل من الرجال كالوعاء الفاخر ولكنه فاخر دون معنى أو مغذي حقيقي، وهذا ما حذر منه جاهين في رباعيته تلك.
“عيني رأت مولود على كتف أمه
يصرخ! تهنن فيه، يصرخ! تضمه
يصرخّ تقول يا ابني ما تنطق كلام
ده اللي ميتكلمش يا كُتر همه”.
ينصح جاهين في تلك الرباعية على ضرورة البوح عما في داخل جوف الإنسان، فالهموم لا تتراكم إلا على عاتق الكتوم الممتلئ بألفاظ الحزن وأسبابه دون بوح.
“عبثًا بقول وأقرا في سورة عبث
متلومش حد إن ابتسم أو عبث
فيه ناس تقول الهزل يطلع جد
وناس تقول الجد يطلع عبث”.
تلك الرباعية هي نصح حول عدم الانخداع بالمظهر في القول، فمظهر القول قد يبدو حسن ومُفيد، ولكنه في الحقيقة أجوف لا يحمل معنى حقيقي، بل هو عبث صرف قد يعبر عن نفاق مفرط.
“النوم قيود والجسم مغلول بها
غلاب غلب على العين يا غلبها
فيه ناس تشتكي قلة النوم أما أنا
بأشكي الدقايق اللي بأغفل بها”.
ينصح جاهين في تلك الرباعية بترك النوم الزائد عن اللازم، فالنوم هو القيد الذي يمنع الإنسان من النشاط والعمل إذا زاد عن الحد.. فيجب أن ينام بالقدر الذي يجعله يتمكن من مواصلة أعماله اليومية فقط.
“أنا كنت شيء وصبحت شيء ثم شيء
شوف ربنا قادر على كل شيء
هز الشجر شواشيه ووشوشني قال
لابد ما يموت شيء عشان يحيي شيء”.
يعبر جاهين في تلك الرباعية عن معنى التضحية الإلزامي في الحياة، عندما يكتسب الإنسان شيء في دنيا معنوي أو مادي، سيجد أنه قدم شيء بالمقابل، لهذا يجب أن يتحلى المرء بالوعي ليعرف ما هي مكاسبه وماهية ما يفقد.
“الضحك قال يا سم ع التكشير
أمشير وطوبة وأنا ربيعي بشير
مطرح ما بظهر بنتصر عَ العدم
إن شاله أكون رسمايا بالطباشير”.
الابتسامة من أهم ما يكتسبه ليكمل الإنسان حياته، حتى وإن كان الابتسام مُصطنع أو بسيط، فهو يضفي طابع من المرح والسعادة اللازمين لاستمرار الحياة، فلا تغفل ابتسامتك ابدًا.
“اقلع غمامك يا ثور وأرفض تلف
اكسر تروس الساقية واشتم ونف
قال: بس خطوة كمان وخطوة كمان
يا أوصل نهاية السكة يا البير تجف!”.
تك الرباعية هي استياء جاهين نفسه من حال المرء عندما يقبل الذلة والمهانة في دنياه، فأول بيتين في الرباعية هي جمل صريحة ومُحددة موجهة لبني البشر أن توقفوا عن الخضوع وقوموا بكسر قيودكم.
“غمض عينيك وأرقص بخفة
الدنيا هي الشابة وأنت الجد
تشوف رشاقة خطوتك تعبدك
لكن أنت لو بصيت لرجليك تقع”.
يجب على المرء أن يتحلى بالدهاء والخفة في أساليب حياته، فالحياة لا تعطي شيء للمتكاسل الخامل، لذا وضح جاهين ضرورة تحلى الإنسان بتلك المهارة في تشبيه بليغ وبسيط يستطيع كل من يقرأ رباعيته أن يبصره.
رباعيات صلاح جاهين عن الدنيا والنصائح حولها ليست ضخمة العدد، لكنها تحمل العديد من الكلمات التي يجب على المرء الالتفات لها والنظر لما هو خلف التشبيهات والاستعارات البلاغية.
تابعنا على جوجل نيوز