نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة
نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة مأساوية للغاية، فقد كُتب لهذا الجمال الذي كان يتكلل بالعلم، الحضارة والتراث السكندري الجليل أن ينتهي بفعل الكثير من العوامل التي ساعدت على اندثار هذه المكتبة التي كانت ولا تزال من أكبر المكتبات العلمية في العالم.
نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة
يُمكننا القول إن الطبيعية اجتمعت مع البشر على انتهاء هذه المكتبة الجليلة التي كان لها أهمية كبرى على مدار العصور، ولا يزال صيتها يسمعه العالم أجمع على الرغم من أن لم يعد متواجد منها إلا بعض الفصول التي يتضمنها التاريخ عنها، والتي نتمكن من خلالها اكتشاف هذا المجد الغابر الذي كان يتواجد في هذه المدينة الجليلة.
فقد كُتب لمكتبة الإسكندرية القديمة الاندثار أو الاحتراق منذ زمن بعيد، حيث كان هناك حرب قامت في مدينة الإسكندرية بعام 47 /48 ق.م، الذي أدت هذه الحرب إلى اندلاع حريق هائل في المدينة بأكملها.
من الجدير بالذكر أن الغرض الأساسي من هذا الحريق كان التخلص من السفن الخاصة بهذا الملك الصغير الذي قُتل بمكيدة من أخته لكونه كان الوريث الشرعي لعرش مصر في هذا الوقت، وقد كانوا حوالي 101 سفينة حربية تم حرقهم.
فمن المُتعارف عليه أن مكتبة الإسكندرية كانت تقع في الحي الملكي الذي يُطلق عليه حي الإبسيلون “”ε باللغة اليونانية القديمة، وهو الحي المُخصص للملوك والأمراء والمعابد وجميع المباني الهامة في المدينة.
كان هذا الحي يطل على البحر، مما أدى إلى وصول النيران إلى المكتبة وتم حرقها تقريبًا بالكامل، حيث تبقى بعض من الأساسات الرئيسية الخاصة بها فقط، والذي عرفنا على هذا الشيء هو سترابون ذلك المؤرخ العظيم أو الجغرافي إن صح القول.
كانت هذه الحرب الدامية بين القائد الجليل يوليوس قيصر، مع الملك البطلمي بطلميوس الثالث عشر وهو شقيق الملكة الخائنة كليوباترا السابعة التي كانت تجمعها علاقة بهذا القائد العسكري الروماني، فطلبت منه أن يهجم على جيوش أخيها ليقتله؛ حتى تتمكن من السيطرة على العرش بمفردها، وبالفعل هذا ما حدث.
مصير مكتبة الإسكندرية القديمة
من خلال حديثنا حول نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة، فنرى أن الكثير من الشعراء والمؤرخين والأدباء تغنوا بمجد مكتبة الإسكندرية الذي أصبح غابرًا بعد حريقها، فلم تخلو أي كتب تتحدث عن مدينة الإسكندرية من الحديث عن مكتبتها الجليلة التي لا نرى مثيل لها من الجمال والرقي الذي كان فيه.
فيأتي سؤال بسيط بذهننا عند قراءة هذا الكلام، ما هو مصير المكتبة؟ وهل تم إعادة بنائها مرة أخرى قديمًا؟ أم كان هناك بديل لها؟
في حقيقة الأمر أثناء بناء مكتبة الإسكندرية في عصر الملك البطلمي بطلميوس الأول سوتيرΣωτήρ Πτολεμαίος، أو بطلميوس الثاني فيلادلفيوس Πτολεμαίος Φιλάδελφος كما يقول المؤرخين، فلم يتمكنوا من تحديد الوقت المُحدد لتشييدها، فوفد إليها الكثير من العلماء والأشخاص الراغبين في تلقي العلم، وذلك لأنها كانت بمثابة الجامعة المُتكاملة.
أي لم تكن بمثابة مكتبة فقط، وذلك بفضل الموسيون Μουσείων” أو دار الفنون والعلوم” الذي كان يتم فيه دراسة جميع أنواع العلوم والفنون بشكل عام، فنرى أن هناك الكثير من العلماء الذين وردوا لها من جميع أنحاء العالم، تحديدًا من اليونان التي كانت تشتهر بعلمائها في جميع المجالات، والفلاسفة الخاصين بها وما إلى ذلك.
فلجأ بطلميوس الثاني فيلادلفيوس Πτολεμαίος Φιλάδελφος، إلى إضافة مكتبة صغرى في معبد السيرابيوم الذي قام بإنشائه على شرف الإله سيرابيس الإله الخاص بمدينة الإسكندرية، والذي كان من ضمن الثالوث السكندري” الذي كان يتكون من سيرابيس وإيزيس وحربوقراط” حتى تكون بمثابة المخزن للكتب المُكتظة في المكتبة الأساسية.
فقد تم الاعتماد بعد حريق مكتبة الإسكندرية على هذه المكتبة الصغرى التي كان لا يزال يوجد بها بعض الكتب التي كانت محفوظة بها” تتواجد هذه اللفائف أو الكتب في معرض مكتبة الإسكندرية تحديدًا في فترينات العرض”.
سبب عدم محاولة إعادة بناء المكتبة قديمًا
استكمالًا لحديثنا حول نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة، فبالنسبة لمحاولات إعادة بناء المكتبة القديمة بعد حريقها فلم يخبرنا أي مصدر تاريخي عن هذا الأمر.
لكن يُمكننا القول إن الفترة التي تلي حرق هذه المكتبة كانت بمثابة فترة انتقالية بين العصر اليوناني أو البطلمي الذي دام حكمه على مصر من 331 ق.م بتولي بطلميوس الأول العرش.
فحتى عام 31 ق.م بدخول الإمبراطور أوكتافيانوس” أغسطس” لمصر، وحدوث معركة أكتيوم البحرية بينه وبين الملكة كليوباترا السابعة، وعشيقها ماركوس أنطونيوس، والتي تُعد ختام نهائي لهذا العصر في مصر.
فيأتي الدور إلى حكم الرومان لمصر، بتولي الإمبراطور أغسطس، أو القائد العسكري ماركوس أوكتافيانوس إن صح القول، لأنه في هذه الفترة لم يكن قد تلقب بهذا اللقب بعد، وهو الابن المُتبنى ليوليوس قيصر.
فبالتالي كانت هذه الفترة مليئة بالصراعات على الحكم، ولم يكن هناك أي اهتمام من أي حاكم أو مسؤول في الدولة بالعلم والفن، بل كان الاهتمام الأكبر يتمحور حول الحروب والصراعات على الحكم، ومن هو الذي سيتمكن من الحصول عليه.
حتى تمكن القائد العسكري أوكتافيانوس من السيطرة على حكم مصر، وتم الاهتمام بعض الشيء بالمكتبة الصغرى التي تتواجد في معبد السيرابيوم الذي يقع بجوار عمود السواري في منطقة كرموز.
وصف المكتبة القديمة بالإسكندرية
في إطار حديثنا حول نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة، فكما سبق القول إن هناك الكثير من الأدباء والمؤرخين والشعراء والجغرافيين الذين قاموا بالكتابة عن مدينة الإسكندرية القديمة عروس البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت حاضرة العالم القديم لعدة قرون على مر الزمان.
فكانت كتاباتهم لا تنحصر على المدينة فقط، بل كانوا يصفون ما يتواجد بها وصفًا دقيقًا، ومن الجدير بالذكر أن السبب وراء هذا أن أغلب هؤلاء الكًتاب كانوا من الرحالة الذين يُفضلون الذهاب إلى المكان الذي سيتحدثون عنه في كتاباتهم.
فمن خلال كتاباتهم الوصفية نتمكن من إجمال ولو جزء بسيط من هذا المجد الغابر الذي كان يقف في يوم من الأيام على أرض الإسكندرية، حيث يقولون إنها كانت على مساحة كبيرة جدًا، وكانت في الحي الملكي، أما بالنسبة لما كان يتواجد بداخلها.
فيقولون إنها لم تكن بمثابة مكتبة تحوى كتبًا فقط، بل كان يوجد بها ممشى واستراحة مُظللة كذلك حتى يستريح فيها الواردون على المكتبة وليس لهم مكان بداخلها بسبب الازدحام، أو من لم يأتِ موعد دخوله الآن.
بالإضافة إلى النافورة التي تتواجد في منتصف هذه الاستراحة، مع وجود قاعة كبيرة لكِبار الزوار يتم عمل فيها اجتماعات كبرى وما إلى ذلك، كما كانت تضم بجانبها جزء مُنفصل بعض الشيء عنها، وهو الموسيون، وقد كان هذا المكان بمثابة مكان مُخصص للدراسة والتدريس، وهو ما سنتحدث عنه.
أما بالنسبة لأماكن تخزين الكتب وطرق تخزينها، فقد كانت الكتب تأتي في لفائف، فكان من الممكن أن يصل عدد الكتب في اللفافة الواحدة إلى أربع أو خمس كتب على سبيل المثال، وكانت جدران المكتبة مُقسمة إلى مجموعة من الأرفف التي يتم فيها وضع هذه اللفائف.
اقرأ أيضًا: أسباب الثورة الفرنسية المباشرة والغير مباشرة
مبنى الموسيون
في إطار حديثنا حول نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة فنتناول هنا نقطة هامة فجاء مُسمى الموسيون Μουσείων، من كلمة الموساي Μουσαι، وهو الاسم الذي كان يطلقه الإغريق على ربات الفنون والعلوم، وهم كانوا الإله الحامي للفنون بشكل عام.
فقد تم إطلاق هذا الاسم على هذا المبنى حتى تكون هذه الربات مسؤولة عن حمايته ورعايته بشكل إلهي كما كانوا يعتقدون، فمن الجدير بالذكر أن المكتبة والموسيون كانوا بمثابة جامعة مُتكاملة وعالم مُتفصل عن الحياة العادية خاصة بالعلم والفنون المُختلفة.
فقد كان الموسيون خاص بالدراسة والتدريس والتبادل الثقافي فيما بين العلماء المختلفين في الأجناس والأعراق، وكانت المكتبة تمدهم بالكتب والمراجع التي يكونون بحاجة إليها لاستكمال دراساتهم.
فبالتالي لا يُمكننا إغفال دور هذه المؤسسة العلمية الكُبرى التي تخرج منه كِبار العلماء الذين تتلمذوا في الأساس على يد أشهر وأكبر العلماء قاطبةً، مما أدى هذا إلى اشتهار الموسيون كثيرًا في جميع أنحاء العالم القديم، ومن الجدير بالذكر أنه تم حرقه مع المكتبة كذلك في الحرب سالفة الذكر.
إعادة بناء المكتبة حديثًا
من خلال حديثنا حول نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة، فمن الجدير بالذكر أن العالم الحديث بعد رؤية الدور الكبير الذي كانت تحتله مكتبة إسكندرية القديمة في العالم، فقد أدرك أهميتها، وقرر أنه يتم بنائها مرة أخرى في مكان مُقارب لها.
حيث لم يتمكن أي شخص من تحديد موقع الحي الملكي على وجه التحديد، بل من المُعتقد أنه يتواجد بالقرب من شارع سوتير بالتقاطع مع شارع بورسعيد، فقد قامت اليونيسكو بعمل الكثير من المحاولات حتى يتم إعادة فتح هذه المكتبة مرة أخرى.
ففي عام 1986 م تم عقد المؤتمر التنفيذي لمنظمة اليونيسكو في باريس حتى يتم أخذ آراء جميع الأعضاء في إعادة فتح هذه المكتبة، وقد كان هناك أكثر من 491 صوتًا يدعمون هذا القرار، مع صوتين فقد غير موافقين على تبني مشروع البناء، وذلك من ضمن الثقافية التي يتبناها اليونيسكو.
ظل التجهيز لهذا القرار قائم، حتى في عام 1990 م، تم عقد مؤتمر جديد في أسوان، وكان يحضره كِبار الشخصيات في مصر على رأسهم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، مع شخصيات كبيرة من جميع أنحاء العالم، من ضمنهم الرئيس الفرنسي فرانسوا متران، والسيخ زايد آل نهيان.
أما في عام 2001م فتم افتتاح المكتبة بعد الانتهاء من بنائها بالكامل، ولكن كان هذا الافتتاح على سبيل التجربة وذلك كان لمدة شهر، وكان الغرض منه أن يتم إعلام الشعب بإعادة استرجاع مجد الإسكندرية وأهم جزء من تراثها المادي.
كان الافتتاح الأساسي في يوم الكتاب العالمي، والذي يوافق يوم 23 إبريل من عام 2002 م، ففي هذا اليوم تم افتتاح أكبر مكتبة في مصر، كما تُعد من أكبر المكتبات العلمية في العالم كذلك، ومنذ هذا الوقت وكانت المكتبة تسترجع أمجادها تدريجيًا، حتى أصبح الآن من أكثر المكتبات العلمية تفاعلًا في العالم، وذلك من خلال الأعمال التي تقوم بها لخدمة العلم والعلوم والعلماء والطلاب كذلك.
بدايات مكتبة الإسكندرية القديمة
من خلال حديثنا حول نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة، فيقول المؤرخين أن هذه المكتبة الكبرى تم إنشائها أما في عهد بطلميوس الأول سوتيرΣωτήρ Πτολεμαίος، أو بطلميوس الثاني فيلادلفيوس Πτολεμαίος Φιλάδελφος.
لكن تم التحديد أن الملك الذي قام بطلب تخطيط هذه المكتبة كان بطلميوس الأول كما يقول سترابون” أكثر من تحدث بشكل وصفي عن الإسكندرية”، لذا يُمكننا القول إن المكتبة تم البدء في العمل فيها في عهد بطلميوس الأول، أما الانتهاء منها كان في عهد بطليموس الثاني.
حيث طلب الأول من ديمتريوس الفاليري أن يهتم بجميع شؤون هذه المكتبة ويتولى الإشراف عليها، والسبب وراء اختيار بطلميوس هذا الرجل، أنه كان صاحب فكرة إنشاء المكتبة في الأساس وهو من عرض الفكرة على الملك، ووافق عليها ودعمه كثيرًا، وطلب منه أن يتولى جميع الأمور الخاصة بها.
فبالفعل تولى هذا الرجل الإشراف على المكتبة والموسيون في آنٍ واحد، حتى تم إنشاؤهما، وتم تعيينه أول مدير لهما بعد ذلك، ومن الجدير بالذكر أن الملك بطلميوس ساعده كثيرًا من خلال الهدايا التي كانت تتضمن كتبًا كثيرة والتي قام بإحضارها تقريبًا من جميع البقاع، ولكن بالأخص من أثينا لما لها من قصة طريفة أثناء الإحضار.
نهاية مكتبة الإسكندرية القديمة كانت بمثابة الباب الذي فتح فيما بعد طريقًا جديدًا لإعادة بناؤها في العصر الحديث، فقد اعتمد المهندسون الذي قاموا بإعادة بنائها على المصادر والحكايات التي رواها كِبار المؤرخين والشعراء عنها.
تابعنا على جوجل نيوز