عقبة غلاء المهور.. هل أمر الإسلام بتيسيره على الشباب؟
إنّ الله -عز وجل- فرض على الرجل مهرًا هو حق من حقوق الزوجة، وأخبر أنه لا يجوز إسقاط هذا الحق إلا برضاها واختيارٍ منها، كما ليس له الحق في التصرُف فيه قبل الدخول أو بعدِه، فيحل لها أن تفعل ما تشاء، ولكن مع المُبالغة في قيمة المهور مؤخرًا، ما حكم الإسلام في تخفيفه؟ هذا ما يُبينه لكنّ موقع إيزيس.
حكم تيسير المهر في الإسلام
الله -عز وجل- شرع لعباده النكاح، وكان في ذلك صلاح الدين والدنيا، بخلق الألفة والمودة بين الزوجين، فقد قال الله -عز وجل- في سورة الروم:
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)“.
لمَّا كان للزواج حكم عظيمة، وآثار نبيلة تترتب عليه، مما فيه صلاح المجتمع، وصيانة للنفس عن فعل الفاحشة، فإن الله -عز وجل- أمر الأولياء بأن يُزوجوا بناتهم، ومن هم تحت ولايتهم، فقال تعالى في سورة النور:
“وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)”..
ولنا في رسول الله أسوة حسنة وعند النظر في السنة النبوية، نجد حديث الرسول عن المهر القليل في أكثر من واقعة، وحثّنا بذلك الإسلام على التيسير في المهور، وعلى الرغم من أنه لم يحدد مقدارًا معينًا للمهور يُقال إنه أيسر ولا ينبغي الزيادة عنه، إلا أن تخفيف المهر مما رغّب فيه الإسلام وحثّ عليه.
تعرفي أيضًا على: أنواع المهر في الإسلام
الوصايا النبوية بعدم المغالاة في المهور
قد جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
“إذا أتاكم مَن ترضونَ خلقَهُ ودينَهُ فزوِّجوهُ إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ“.
أوصانا النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدم المغالاة في المهور وتيسير الزواج، فقد قال في الحديث الذي رواه عقبة بن عامر:“ خيرُ النِّكاحِ أيْسَرُهُ” (حديث صحيح)، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه سهل بن سعد أنه قال:
“اذْهَبْ فَالْتَمِسْ ولو خَاتَمًا مِن حَدِيدٍ“.
قد بيَّن النبي بذكره “خاتمًا من حديد” كناية عن السهولة واليسر في الزواج.. وعندما ننظر إلى مهر السيدة فاطمة ابنة رسول الله وسيدة نساء أهل الجنة نرى أن على بن أبي طالب قد أعطاها مهرها درعه، فلا يجدر بنا أن نّغالي في المهور، ونضيق على الشباب الذي لا يبغي بنكاحه سوى العفة ورضا الله عز وجل.
حيث جاء في الحديث الذي علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
“تزوَّجْتُ فاطمةَ رَضِيَ اللهُ عنه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ابنِ بي، قال: أَعْطِها شيئًا، قلتُ: ما عندي مِن شيءٍ، قال: فأينَ دِرْعُكَ الحُطَمِيَّةُ؟ قلتُ: هي عِندي، قال: فأَعْطِها إيَّاهُ” (صحيح).
تعرفي أيضًا على: كم المهر المناسب في السعودية
حكم الشرع في غلاء المهور
لمّا جعل الله -عز وجل- المهر تعزيزًا للمرأة وكرامة لها، وفرض على الرجال إتيانه للمرأة عند النكاح، مع ذلك لم يرغب الإسلام أبدًا في المغالاة في طلب المهر.
على الرغم من ذلك فهناك الكثير من الأولياء منعوا زواج من هم تحت ولايتهم، بسبب مغالاتهم في المهر، وهذا أمر نهى عنه الشرع، وقد روت أم سلمة عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- فقالت:
“سَألْتُ عائشةَ كَمْ كان صَداقُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أزْواجَه؟ فقالتْ: كان صَداقُه اثنَتيْ عَشْرَ أُوقيَّةً ونَشًّا، قالتْ: هل تَدري ما النَّشُّ؟ هو نِصفُ الأُوقيَّةِ، فذلك خَمسُ مِئةِ دِرهمٍ“ (صحيح)..
فكان هذا مهر النبي لزوجاته وأمهات المؤمنين، وكذلك مهر بناته، وبنات أصحابه أجمعين، فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:
“لاَ تغالوا صداقَ النِّساءِ، فإنَّها لو كانت مَكرمةً في الدُّنيا، أو تقوًى عندَ اللهِ، كانَ أولاَكم وأحقَّكم بِها محمَّدٌ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ، ما أصدقَ امرأةً من نسائِهِ، ولاَ أصدقتِ امرأةٌ من بناتِهِ أَكثرَ منَ اثنتي عشرةَ أوقيَّةً، وإنَّ الرَّجلَ ليثقِّلُ صدقةَ امرأتِهِ حتَّى يَكونَ لَها عداوةٌ في نفسِهِ، ويقولُ: قد كلفتُ إليْكِ علقَ القربةِ، أو عرقَ القربة“.
كما نهى عمر -رضي الله عنه- عن المغالاة ورغب في تقليل المهور فتبين أن المغالاة في المهر مكروهة في الإسلام.. وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله-:
“المغالاة في المهر مكروهة في النكاح وأنها من قلة بركته وعسره”.
تعرفي أيضًا على: ماذا تفعل العروس بالمهر
قيمة المهر في الإسلام
الإسلام دين يسر، فلم يفرض على الرجل مقدارًا معينًا من المهر يعطيه للزوجة، بل ترك الأمر للعرف والعادة، فقط ألزمه بدفع هذا المهر سواء أكان في العاجل أم في الآجل، فقال الله -عز وجل- في سورة البقرة:
“وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)“.
فلم يُحدد مقدارًا معينًا بل ترك هذا الأمر للتراضي بين وليّ الزوجة والزوج، وحسب العرف والعادة القائمة بين الناس، ما عدا في حالات معينة فقد حدد مهرًا معينًا يُعطى للزوجة، كمن عقد الزواج ولم يجعل للمرأة مهرًا فإنه في تلك الحالة أوجب لها مهر مثل أقرانها من النساء.
بناءً على ذلك فإنه يجوز المهر القليل والكثير وهذا ما اتفق عليه الفقهاء من أهل العلم.. إلا أنه لابد أن يراعى عرف البلد من أجل تجنب كافة المنازعات والمناورات التي تحدث إثر ذلك، والتي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى إلغاء الزيجة.. لذلك فإنَّ ما اتفق عليه الطرفان، يصحّ أن يكون مهرًا.
الله -عز وجل- قد أمر بالإحسان في كل شيء، لذا ينبغي على الأولياء تيسير الزواج على بناتهنّ وأبناء المسلمين، وألا يبالغوا في طلب المهور دون اعتبار لشرع ودين.
تابعنا على جوجل نيوز