ما بين ظاهرة المساكنة والزواج.. انتبهي للفرق بينهم!
كثير ممن استبدلوا المفاهيم الصائبة بأخرى مغلوطة فقط لتتوافق مع أهوائهم الجامحة، فانتشرت ظواهر تحليل المُحرمات وتحريم ما أحلّه الله بل وجعله فرضًا على عبدِه، منها المُساكنة، اعتقادًا أنها تعني الزواج أيضًا، لكننا في إيزيس يتسنى لنا توضيح الفوارق بينهم.
الفوارق بين الزواج والمساكنة
تتجلى مقاصد الزواج في آية كريمة ذكرها الله تعالى في سورة الروم: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الآية 21.. تلك السكينة والمودة والرحمة التي تُكلل أي علاقة زوجية ليُكتب لها النجاح، وما إن اختلف الطرفان إلى الحد الذي يجعل الانفصال بينهما أفضل فإن لعلاقتهما نهاية يدفع فيها كلًا منهما ثمن.
فهناك حقوق وواجبات اتفقا عليها سلفًا وقُضي الأمر فيها، كما أن الأبناء –إن وجدوا- لا يكونون عرضة للتشرد في ظل قانون حاكم يخول لهم حقوقهم، بيد أن الزواج غير الشرعي والقانوني ينتهي بشكل لا يتراتب عليه أي ضرائب على الزوج أو حتى الزوجة، وإن كنّا نقصد السمعة والشرف فإن المرأة أدعى بأن تكون ضحية زواج.. زواج المساكنة.
تعرفي أيضًا على: هل زواج المسيار يحتاج موافقة ولي الأمر
المساكنة هي المعاشرة دون زواج
يُعرف بالاستسرار، وهو من وجهة النظر الدينية “الزنا” لأنه يُمثل علاقة جنسية حرة دون زواج، أو أوراق رسمية بين الزوجين، ويُطلق على المرأة في تلك الحالة: العشيرة أو الخليلة، وكذلك الرجل، على أن تلك الظاهرة شائعة في العالم وأيضًا في العالم العربي على الرغم من أنها لا تقارن بحجمها في الثقافة الغربية، فقد سنت القوانين الغربية تشريعات لحماية المرأة التي تعاشر رجلًا دون زواج!
من الجدير بالذكر أن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج كانت شائعة في العهود السابقة بين الملوك والنبلاء، لكن ما كان ينجم عنها إلا أطفالًا شرعيين قلّما يتم الاعتراف بهم وتوريث اللقب، الأمر الذي يستتبع بدوره مشكلات في الأنساب والمواريث.
قال الله تعالى في سورة الكهف: “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)”.. فتلك الآيات مقصدها لمن يخلط الحق بالباطل ويستحل ما حرم الله، والشريعة بريئة مما يعتقد.
زواج المساكنة علاقة محرمة
تدفع المرأة ثمن تلك العلاقة غير الشرعية، حيث شيعت تلك الظاهرة لتعني بحدوث زواج دون وجود أي أوراق رسمية تثبته، أي يعيش طرفا العلاقة في منزل معًا ويتعاشران، وفيما بعد يبيت كلًا منهما في بيت أهله، وعادةً ما يتم ذلك الزواج شريطة الاتفاق على عدم الإنجاب، على أن أغلب أطراف تلك العلاقات يظنون بأنها علاقة شرعية، حيث تشبه الزواج ملك اليمين الذي كان معهودًا فيما سبق.
إلا أن زواج المساكنة يعتبر من قبيل المفاهيم المضللة، والتي تأتي بين جدران الرذيلة إلا أنها تعطي انطباع ظاهري بأن العلاقة الجنسية شرعية، فإن كانت شرعية بحق.. لم يتم في أغلبها أخذ وسائل منع الحمل؟ ولم يلجأ آخرون إلى ترقيع غشاء البكارة؟ فهذا ما يجعله مغايرًا عن الزواج الطبيعي الذي ما كان ليمنع المرأة عن الحمل والإنجاب.
ما يثير العجب أن هناك من يروجون لذلك الزواج غير الشرعي، باعتباره حلًا أمثل في ظل الضغوطات الاجتماعية والمالية التي تصاحب الشباب عند إقدامهم على الزواج، فعوضًا عن كل تلك الأعباء يُمكن لأحدهم أن ينفس عن كبته الجنسي بالزواج على تلك الوتيرة دونما حفظ للحقوق.. في وجود امرأة خاضعة لا عقل فيها ولا كياسة.
حيث لا توجد أي توابع على الرجل في حين أخلّ بوعده لامرأة عاشرها بالمساكنة، فلا عليه مسؤوليات أو التزامات تجاهها، كما أنها لا تحمل لقب مطلقة من بعده إن طلقها، لأن الزواج لم يُسجل بعد.. ويكون في الخفاء، وهي ليس لها أدنى حق في أن تطالبه بشيء إن تركها.
لذا أوضحت الإفتاء أن مثل تلك العلاقة تدخل في إطار المحرمات التي أوجد الله سبحانه وتعالى لها العقاب في محكم التنزيل، حينما قال في سورة النور:
“الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)”.
كما أن زواج المساكنة يعتبر من الوسائل الشيطانية التي يُستحل فيها الحرام، لمن زين لهم الشيطان ما يفعلون، فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل بعض الآيات التي توضح كم أن للمرأة لها أن تحفظ حقوقها وعرضها وعفتها من خلال الزواج، فما الحال بالزواج دون حقوق؟
مثل قول الله تعالى: “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا“ سورة النور (30، 31).
الهدف من زواج ملك اليمين
حتى لا يتخذ البعض حُجدة الزواج سابقًا “زواج المتعة، أو ملك اليمين” أنه مبررًا لزواج المساكنة اليوم، بوسعنا أن نوضح الهدف من وراء شيوع ذلك الزواج في العهود السابقة، فقد حلله الشرع في بعض الآيات القرآنية، نظير أنه يُحرر الأمة من الاستعباد، وكانت العبودية سابقًا شائعة ولا مجال لها اليوم.
فبمجرد أن يُحرر ملكًا آمة من أن تكون عبدة تتعرض إلى الظلم وما شابه، يقوم بالزواج منها فيجعلها حرة لاسيما إن أنجب منها، وكان لا يمنع زواج ملك اليمين الإنجاب، بل كان الملك يجعل أمته سيدة قصره إن أنجبت.. أما عن واقعنا اليوم فلا أسياد أو عبيد، لذا هناك فرق واضح بين زواج المساكنة وزواج ملك اليمين.
هذا ولا يُمكن قياس زواج الملك اليمين الذي يصب في مصلحة المرأة بالدرجة الأولى بزواج المساكنة الذي تكون فيه المرأة هي الضحية، فهي خاسرة عفتها وشرفها دون أن يُكتب لها زواجًا أمام العيان، وليس لها أي ضامن إثر ذلك.. بل اعتبرت المساكنة نوع من تجارة الرقيق، وأسماها بعض العلماء بـ “زواج الطيور” تشبيهًا بأن كل طرف يقضي غريزته دون أن يحمل أي مسؤولية أو رابطة تجاه الطرف الآخر، لتكون المرأة وأولادها إن أنجبت هي ضحية تلك الشهوة المحرمة.
لذا عليكِ عزيزتي أن تتفندي الأمر إن رغب أحدهم في إغوائك وإقناعك بأن زواج المساكنة نوع من زواج ملك اليمين، وهو شرعي وفق آيات القرآن الكريم، فهذا اعتبار خاطئ لا يُعول عليه، ولا يجب الخلط في المفاهيم الموضحة في الشريعة، فالحلال بيّن والحرام بيّن، أما من يتعمد الخلط فهو راغب في تطبيق أهوائه لا تطبيق أحكام الشريعة.
تعرفي أيضًا على: هل تستأذن الثيب في الزواج
زواج المساكنة أشبه بزواج المتعة
يفترض أطراف زواج المساكنة صحة قياسًا على زواج المتعة، والذي يُعتد به عند الشيعة رغم كونه حرامًا عند أهل السنة، وقد وافينا في الحديث عن سبب حرمانيته، إلا أن ما يؤكد أن الفروقات بين الزواج والمساكنة أبعد ما يكون هو اعتماد أنصار المساكنة على بيان أن المرأة لها أن تزوج نفسها دون إذن وليّها، وهذا ما يجعل هناك خلط فادح بين الأحكام لاسيما لمن ليس لديهم نصيبًا كافيًا من الإيمان والعلم بأحكام الشريعة.
فقد قال أشرف الخلق –صلى الله عليه وسلم-: “الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ” (صحيح البخاري).
تعسير الحلال سببًا في المساكنة
هذا وفي توضيح ما يعني به المُساكنة واختلافُه عن الزواج.. لا ننسى أن الأخيرة من الأساس نجمت عن الأعباء البالغة التي تقع على عاتق الرجل وتُحجمه عن الممارسة الصحيحة، فيزين له الشيطان سبيلًا آخر أكثر تسيرًا من ذلك الحلال العسير! حيث غلاء المهور والاشتراطات المعقدة وغلاء العقارات.. هذا كله ما فتح أبوابًا للحرام.
لا شك أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كانت حكمته بالغة عندما قال: “إذا أتَاكُم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَأنْكِحُوه، إلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَة في الأرْضِ وفَسَاد، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله؛ وإنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: إذا جَاءَكُم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَأنْكِحُوه“.. فلا مجال إذًا لكافة تلك الاشتراطات المعقدة التي جعلت من الزواج صفقة تجارية في ظل تيسير محقق أحله الشرع.
المساكنة من أهم آثار عقد الزواج
إن الشريعة تعني بالجمع بين الزواج والمساكنة معًا، حيث إن عقد الزواج يترتب عليه المساكنة كواحدة من أركانه، فهي تشمل السكن المادي والروحي.. لذا نرى أن الزواج والمساكنة كلًا منهما مكملًا للآخر، حيث تعتبر المساكنة حق من الحقوق المتبادلة بين الزوجين، والتزام قانوني من كل منهما، وهذا ما أولت إليه الشريعة اهتمامًا بالغًا.. فقد قال الله تعالى:
- سورة الأعراف: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)”.
- سورة الطلاق: “أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ” الآية 6
- سورة النحل: “وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا” الآية 80
ففي الآيات المذكورة مُنحت المساكنة مفهوم واسع يشمل الناحية المعنوية والجسدية معًا، في إطار من حسن المعاشرة والرحمة، فالعلاقة الزوجية مبناها المساكنة، لا تقتصر فقط على السكن الذي يُقصد به المنزل.
شروط جواز المساكنة
هناك معنى آخر مقصود بالمساكنة على النقيض من زواج المساكنة.. حيث تعني مشاركة رجل وامرأة أجنبيين لمنزل واحد دون زواج أو علاقة، فثمة أسباب ما تكون مدعاة لذلك كالاغتراب.
فقد جاء عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم-: “لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم” لذا فإن الأمر غير جائز مهما كان السبب، لأنه يعتبر من دواعي الزنا، فالخلوة بين رجل وامرأة فتنة لكليهما، وربما يزين لهما الشيطان المعصية.
فلا داع من وجودهما معًا دون محرم، إلا أن هناك جمع من العلماء رأى أنه إن كان لكل منهما غرفة مستقلة والمرافق ليست مشتركة كالمطبخ والحمام والممر والمدخل، فإنه من الممكن أن تكون المساكنة جائزة، فلا يرى أحدهما الآخر، إلا أن الأحرى هو عدم التطرق إلى السبل التي تجعل الخلوة أمرًا ممكنًا، حتى لا يقعا معًا في إطار المحرمات.
تعرفي أيضًا على: لماذا يرفض المجتمع الزواج من مطلقة
أنواع الزواج المحرم في الإسلام
إن صحّ القول فإن أي زواج يخرج عن ركن من الأركان المحددة له فإنه محرمًا، مثل:
- زواج المتعة: الزواج المؤقت لغرض المتعة.
- زواج المساكنة: هو ما ذكرناه أعلاه.
- زواج التحليل: أن يتزوج أحدهم امرأة كمحلل بعد طلاقها.
- زواج الشغار: يزوج الرجل ابنته مثلًا لآخر يزوجه ابنته.. دون مهر.
بين العوز المادي والحميمية.. لا شك أن هناك مخططات خبيثة تريد أن ينحرف الأجيال عن المفاهيم الصائبة والأحكام الدينية الراجحة واستبدالها بمفاهيم مغلوطة يكونون على قناعة بها عن جهل منهم وتضليل.
تابعنا على جوجل نيوز