إكراه البكر البالغة.. رأي الجمهور يصون كرامتها

منذُ الصدر الأول للإسلام كان حريصًا على توقير المرأة التي تكتمل بها البشرية، وتُعين الرجُل، فمن دونها يخل النظام الكوني، لها مكانة عظيمة، إلا أنه وفقًا للعادات السيئة البعض اتجه لإجبار الفتاة على الزوج دون صيانة لكرامتها، فإن كانت بِكر وبالغة ماذا رأى الجمهور في هذا؟ نُبين الأمر عن كُثب في موقع إيزيس.

رأي الجمهور في إجبار البكر البالغة العاقلة 

جعل الدين الإسلامي كامل الحق للمرأة حتى تُعبّر عن نفسها، لاسيما في مسألة الزواج، فبالنسبة للمرأة الثيب التي سبق لها الزواج وطُلقت أو توفي عنها زوجها تُعتبر أحق بنفسها من وليّها، أي تقبل وترفض الزواج ولا تُجبر حتى وإن امتنعت.

أما عن الفتاة البكر البالغة العاقلة التي لم يسبق لها الزواج فإن أبيها يأخذ برأيها فيمن تقدّم لخطبتها إن كان كفء، فيأخذ إذنها، لأنّ له حق التوجيه والإرشاد لها.. لا الإجبار، فليس له أن يُزوجها بغير رضاها، أو يجبرها على الزواج ممن ترفض.

حيث إنّ وليّ الفتاة هو الذي يلي أمرها من عصبتها من الرجال، ويُمكن أن تُعرب عن موافقتها على الزواج بالسكوت؛ لأنها الأكثر حياءً، ومن الممكن أن تستحي إظهار رغبتها في الزواج.. على خلاف الثيب التي يجب أن تُصرح بالقول بين رفض أو قبول.

إذًا نهى رسول الله عن تزويج الثيب أو البكر بغير إذن منهما، احترامًا للمرأة وتقديرًا لرأيها فيما يتعلق بحياتها واختيار الزوج.

هذا ويتجلى الحكم في أقوال الفقهاء كمثال على ما ذكره -ابن تيمية-: “إن استئذان البكر البالغة واجب على الأب وغيره، وإنه لا يجوز إجبارها على النكاح، وإن هذا هو الصواب، وهو رواية عن أحمد واختيار بعض أصحابه، وهو مذهب أبي حنيفة وغيره.. وقال: إن جعل البَكارة موجبة للحَجْر، مخالف لأصول الإسلام، وتعليل الحجر بذلك تعليل بوصف لا تأثير له في الشرع”.

فمن حقوق المرأة ألا تُكره على زواج، فالبكر حينما ذكرت لرسول الله أن أبيها أجبرها وهي كارهة على زواج بغير إذنها، خيّرها.. أي الأمر مُسند إليها ما إن أرادت إنهاء النكاح أو البقاء فيه.. فيكون الحكم بإجبار البكر على الزواج غير جائز.

كما أن الأب ليس له أن يتصرف في مال الفتاة إن كانت بالغة إلا بإذنها، أما عن زواجها فهو أعظم من مالها فلا يجوز أن يتصرف فيه دون رأيها.

إن زوجّها وليّها دون إذنها يكون عقد الزواج باطلًا، إن هي لم تُجيزه وتستكمل الزيجة.. فإن أجازت يصير عقدًا صحيحًا، وإن رفضت وصرحت ببطلانه، فلا يكون صحيحًا.

تعرفي أيضًا على حكم إجبار البنت على الزواج بابن عمها

حكم إجبار البكر على الزواج من السنة النبوية

لم تترك السنّة تفصيلًا إلا وأسهبت في توضيحه، لاسيما فيما يتعلق بأحكام الزواج والطلاق حفظًا للحقوق، فعن عبد الله بن عباس –رضي الله عنه- قال عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: “الثَّيِّبُ أحقُّ بنفسِها من وليِّها والبِكرُ يستأمرُها أبوها” (صحيح).

في حديث آخر عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وكيفَ إذْنُها؟ قالَ: أنْ تَسْكُتَ” (صحيح البخاري).

أما عن حكم إجبار البكر البالغة العاقلة فيُستند إلى حديث رواه عبد الله بن عباس –رضي الله عنه- عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم-: “أنَّ جاريةً بِكْرًا أتتِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فذَكَرت أنَّ أباها زوَّجَها وَهيَ كارِهَةٌ فخيَّرَها النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ” (صحيح).

تأكيدًا على ذلك ذُكر عن عائشة –رضي الله عنها-: “جاءَتْ فتاةٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أبي زوَّجَني ابنَ أخيهِ يرفَعُ بي خَسيسَتَه، فجعَلَ الأمرَ إليها، قالت: فإنِّي قد أجَزْتُ ما صنَعَ أبي، ولكنْ أردْتُ أنْ تَعلَمَ النِّساءُ أنْ ليس للآباءِ منَ الأمرِ شيءٌ“.

هذا لأن تزويج الفتاة مع كراهتها للنكاح يُعتبر مخالفًا للشرع، فليس لها أن تُعاشر من تكره معاشرته، والله قد جعل الأصل في الزواج حسن المعاشرة والمودة والرحمة.. لذلك جاء حكم الجمهور في إجبار البكر البالغة العاقلة بأنه غير جائز.

تعرفي أيضًا على: هل تستأذن الثيب في الزواج

إجبار البكر على الزواج عند الحنابلة

طالما رفضت الفتاة البالغة الزواج برجل لا تريده، فليس لأبيها إجبارها على الزواج منه، وإن وافقت على من يرفض هو، فله أن يوجهها ويُرشدها باللين لا بالتعسف.. وهذا هو الأصل العام في الحكم.

لا نستبعد في ذكر حكم الجمهور في إجبار البكر البالغة العاقلة عمّا جاء به الإمام ابن حنبل في مذهبه، حيث قال إن الثيب البالغة لا تُجبر على الزواج أما البكر البالغة فلوليّها إجبارها على ذلك.. لاسيما الأب دون غيره من الأولياء.

حكم الوليّ في النكاح

لا يصحّ النكاح للمرأة إلا بوليّها، وهذا ما ذهب إليه واتفق جمهور العلماء والفقهاء والأئمة الأربعة، وكثير من السلف والصحابة.

فقد قال الله تعالى في سورة النساء: “فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ” الآية 25، فالخطاب كان للأولياء الذكور الأقرب منهم فالأقرب إلى المرأة بعد أبيها، كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “لا نِكاحَ إلَّا بوليٍّ” (صحيح).

كما ذُكر عن عائشة –رضي الله عنها-: “أيُّما امرأةٍ نَكَحَت بغيرِ إذنِ مَواليها، فنِكاحُها باطلٌ، ثلاثَ مرَّاتٍ فإن دخلَ بِها فالمَهْرُ لَها بما أصابَ منها، فإن تشاجَروا فالسُّلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ لَهُ” (صحيح).

فلا تزوج الفتاة نفسها بنفسها دون إذن من وليّها، حتى لا يكون زواجها باطلًا، وإذن النكاح هنا غير أمر الإجبار على الزواج، فهي لا تتزوج بمن ترضاه إلا بإذن وليّها، وهو من ليس بيده إجبارها على الزواج بمن لا ترضاه.. وفي هذا صيانة لحقوقها.

تابعنا على جوجل نيوز

قم بمتابعة موقعنا على جوجل نيوز للحصول على اخر الاخبار والمشاركات والتحديثات ..

متابعة
اترك تعليقا