حديث المرأة التي طلبت الطلاق
حديث المرأة التي طلبت الطلاق يعد مرجعًا شرعيًا وفقهيًا في قوانين الأسرة العربية، فأيٍ من قوانين الطلاق بطلب من المرأة أو الرجل تعود في بعض من أحكامها إلى هذا الحديث.
لذلك في السطور القادمة عبر موقع إيزيس سنعرض لكم حديث المرأة التي طلبت الطلاق، وشرح الحديث وبيان صحته من ضعفه، وما هي القوانين التي بنيت عليه.
حديث المرأة التي طلبت الطلاق
للحديث الشريف في الإسلام أهمية كبيرة، ففيه من الشرائع التي ينفذها المسلمون في حياتهم، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفسير بعض ما جاء في القرآن الكريم من أحكام منها الطلاق، فشرع الله سبحانه وتعالى الطلاق في الإسلام للحفاظ على المودة والرحمة التي بُني عليها الزواج.
فقال سبحانه وتعالى في الآية التاسعة والأربعين من سورة الأحزاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلً).
الطلاق في اللغة العربية هو التحرر، وفي الفقه هو إخراج المرأة من عصمة زوجها، والأصل أن يكون الرجل هو الذي يريد أ يطلق المرأة لعلة فيها، أو لسوء معاشرتها له، أو كونها امرأة ناشز، والإسلام دينُ كفل العدل والمساواة بين الرجل والمرأة.
فجاء في سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث المرأة التي طلبت الطلاق، والحديث من رواية ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الشيخ ناصر الدين الألباني في “تخريج مشكاة المصابيح” جيدًا برقم 3215.
كما أورده في “صحيح أبي داود” صحيحًا برقم 2226:
“أيُّمَا امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا في غيرِ ما بأسٍ فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ“.
الشاهد من الحديث الشريف هو التحذير لعدم طلب المرأة للطلاق دون سببٍ أو ضرر.
أما عن قول رسول الله في أن المرأة لا تشم ريح الجنة، كناية عن بعدها عن الجنة، وقال بعض العلماء أنها تمنع من أن تشم رائحة الجنة، ورائح الجنة تشم من مسيرة أربعين عامًا، فريح الجنة أول ما يلقاه المحسنون، وهذا لأنها تريد أن تهدم أسرة دون أن تبدي سببًا قوي للطلاق.
تعرفي أيضًا على: حقوق الزوجة إذا طلبت الطلاق بدون سبب
شرح علماء السلف الصالح للحديث الشريف
الطلاق من الصور التي يراها العامل بالقضاء الشرعي بشكلٍ شبه يومي، ويلجؤون في العديد من الأوقات إلى حديث المرأة التي طلبت الطلاق، وشرح علماء السلف له.
فقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” شارحًا هذا الحديث، إن الأخبار الواردة عن ترهيب المرأة في حالة طلب الطلاق في حالة لا تقتضي الطلاق.
كما ذكر ابن حجر أن الشرع أباح للمرأة الكارهة لزوجها أن تطلب الخلع منه مقابل ما تعرضه عليه من مال، واستشهد بما ورد في الآية رقم 229 من سورة البقرة:
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
الشيخ البُهوتي أحد كبار أئمة الحنابلة ذكر في “كشف القناع” إن المرأة إن كانت تريد أن تنفصل عن زوجها دون سببٍ شرعي للطلاق عليها بطلب الخلع أو التطليق منه.
أما إن كانت الزوجة تريد الطلاق لسبب غير ما جاء في الأسباب الشرعية فيسن للزوج عدم القبول.
شيخ الإسلام موفق الدين ابن قدامة المقدسي شرح حديث طلب المرأة للخلع في “المغني”، وقال إن المرأة إن خافت ألا تقيم حدود الله التي أمر بها مع زوجها لعيب، أجيز لها أن تفتدي نفسها بمقابل.
استشهد بحديث امرأة ثابت بن قيس الذي رواه ابن عباس عن رسول الله، وأخرجه البخاري صحيحًا برقم 5276.
“جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بنِ قَيْسِ بنِ شَمَّاسٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما أنْقِمُ علَى ثَابِتٍ في دِينٍ ولَا خُلُقٍ، إلَّا أنِّي أخَافُ الكُفْرَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَتَرُدِّينَ عليه حَدِيقَتَهُ؟ فَقالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عليه، وأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا“.
تعرفي أيضًا على: حكم دعاء المرأة على زوجها الظالم
شرح ابن باز وابن جبرين وابن عثيمين للحديث
العلماء الثلاثة من كبار علماء الإسلام في العصر الحديث، وكلٌ منهم عرض شرحًا تفصيليًا ل حديث المرأة التي طلبت الطلاق، وما سنعرضه لكم في هذه الفقرة هو شرح قول كل عالمٍ على حدا.
ذكر الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في فتاوى نور على الدرب أن الطلاق هو آخر ما يلجأ إليه الزوجين بعد أن تنقطع بينهم كل طرق الإصلاح الممكنة، فإن أصرت الزوجة على الطلاق أو هي من طلبته فيجب أن يكون وراء طلبها هذا علة قوية.
فقد يكون الزوج كثير المعاصي، أو بخيلاً لا ينفق على بيته حق الإنفاق أو أن يكون السبب متعلقًا بالمرأة فتكون باغضة له، وتخاف ألا تؤدي الحقوق الشرعية بسبب بغضها له، في هذه الحالة لا ضرر في طلب الزوجة للطلاق لكن يجب عليها أن تعطيه ما دفعه من مهر.
الشيخ عبد الرحمن بن جبرين -رحمه الله- قال إن المرأة يجوز لها أن تطلب الطلاق “الخلع” من زوجها، إن كان الزوج متصفًا بسرعة الغضب والحِدة وسرعة التأثر.
أو كان العيب في الزوج نفسه من عيب في خلقته أو عيب نقص في حواسه، أو كان سِكِّيرًا أو تاركًا للصلاة أو مفطرًا في رمضان، أو لم يؤدٍ ما عليه من حقوق لزوجته، فيما عدا ذلك فلا يجوز لها أن تطلب الطلاق.
الشيخ ابن عثيمين قال في طلب المرأة للطلاق، إن الأولى هو المودة والرحمة وحسن المعاشرة بينهما، وإن كانا قد أصر أحدهما على الطلاق فينظر للزوجة في المقام الأول من حيث طلبها للطلاق لعلة غير شرعية.
فعليهم التوضيح لها بأنها لن تشم رائحة الجنة، أما إن كان لسبب فيه وعلة في الدين، فعليها برد المهر والطلاق.
تعرفي أيضًا على: دعاء المطلقة أن يردها الله إلى زوجها
القصة التي وردت شاهدًا على الحديث
ما جاء شاهدًا على حديث المرأة التي طلبت الطلاق، هي قصة زوجة ثابت بن قيس، وفي هذه الفقرة سنعرض لكم من هذه القصة ما يدل على تشريع الخلع في الإسلام وأسباب طلب المرأة للطلاق.
هذه القصة معروفة بقصة الزوجة التي طلبت من الرسول أن يطلقها من زوجها، وهي الصحابية الجليلة جميلة بنت أُبي بن سلول وزوجها الصحابي الجليل ثابت بن قيس، جاءت هذه المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها.
لا تشتكيه من سوء خُلقه أو لفساد في دينه، أو شحًا منه في بيته، بل تشتكيه لسوء صورته وقبحها، وكانت ذات جمال، فخشيت أن تنفر منه فتكون ناشزًا، أو تعامله برياء أو بغشٍ فجاءت شاكية لرسول الله تلك الشكوى.
فقال لها رسول الله إن أرادت الطلاق ترد له الحديقة التي أعطاها لها مهرًا، فوافقت، والشاهد على هذه القصة الحديث الذي رواه عبد الله بن عباس عن رسول الله، وأورده ابن الملقن صحيحًا في الصفحة رقم 57 من المجلد الثامن صحيحًا.
“جاءتْ امرأةُ ثابتِ بنِ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، ما أَنْقمُ على ثابتٍ في دِيْنٍ ولا خُلُقٍ، إلا أنِّي أخافُ الكُفرَ.
فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: تَرُدِّينَ عليه حديقتَه؟ فقالت: نعم، فَرَدَّتْ عليه، وأمَرَهُ أن يُفارقَها ويُروَى أنه كان أَصْدَقَها تلك الحديقةَ، فخَالَعَها عليها ويُقالُ: إنه أولُ خُلْعٍ جَرَى في الإسلامِ“.
الزواج في الإسلام بُني على احترام الزوجين، وحسن معاشرة كلٍ منهما الآخر دون رياء أو معاملة سيئة، فإن استحالت العشرة بين أحد الطرفين لأسباب قوية ينفصلا.
تابعنا على جوجل نيوز